حكواتي: بابا نويل آتياً من "هناك"

24 ديسمبر 2014
صدّ الهجوم بعنف مماثل (Getty)
+ الخط -
في بيروت وفي حي شعبي على خطوط التماس المسيحية ـ الإسلامية عام 1987، كنت في الثامنة من عمري، لم يصادف أن التقيت بـ "بابا نويل" يوماً. لكن في تلك السنة، أتت إلى المدرسة مديرة جديدة تؤمن بأشياء غريبة، مثل الفرح، فأخذها الحماس وقرَّرت دعوة بابا نويل إلى زيارتنا.

ضجّت المدرسة بهذا الخبر السعيد، الكل معبأ ومُثار، وشائعات كثيرة تتسرّب، منها أنّ بابا نويل ليس سوى رجل متنكر. وثانية أكثر لؤماً، تتّهمه بالطائفية وبأنّه لا يزور إلاّ أولاد المنطقة المقابلة. وأخرى فيها شيء من الواقعية، مفادها، أنّ بابا نويل لن يستطيع اجتياز المعابر المسلَّحة آتياً من "هناك".

بسرعة انقسمت المدرسة إلى محورين: محور المصدّقين لبابا نويل وكنَّا الأغلبية، ومحور المكذِّبين ومروّجي الشائعات.

أتى اليوم الموعود، وعند الثانية عشرة ظهراً، اجتمع التلاميذ والمعلمون في الملعب الكبير، ورحنا نغني لبابا نويل، وتحوّل غناؤنا إلى صراخ هستيري.

رنين جرس يعلو من مكان ما، يعلن اقتراب بابا نويل، إنَّه قريب جداً. وإذ ببابا نويل يخرج من مدخل الصفوف. بدأ الجميع بالتدافع نحوه، وازداد الصراخ من دون أن يتوقف الجرس عن الرنين: بابا نويل، بابا نويل. حاولت المعلمات تهدئتنا بالغناء ثانية، إلى أن سمعنا صرخة من وسط الحلقة: "ولك هيدا أبو أسعد"!

سرت الجملة كالنار في الهشيم. فجزمة الكاوتشوك المهترئة واليدين الغليظتين لأبو أسعد ناطور المدرسة، فضحت بابا نويل. تحوَّل التدافع إلى هجوم عنيف. راحت الأيادي تتناتش بابا أسعد نويل: هذا يشده من سرواله، وآخر بلحيته، وثالث ينتزع قبعته الحمراء، حتى وقع كيس السكاكر على الأرض ولم يهتم أحد بلمِّه.

كان أبو أسعد في موقف لا يحسد عليه، وقد أدخلته المديرة في القصة رغماً عنه. وبما أنّه من الرجال ذوي الطباع القروية الحادة، فقد صدّ الهجوم بعنف مماثل. إذ راح يشدّ البنات من شعورهن ويضرب بطون الصبيان، وصرخ فاقداً أعصابه: "وليه زيحوا عني وليه، أنا حاج من عشر سنين، من وين طلعلي بابا نويل"!
المساهمون