حكاية جحا في جزائر اليوم

21 سبتمبر 2014
+ الخط -
فاجأ المخرج هارون الكيلاني، المعروف بنزعته التجريبية، جمهوره الجزائري بمسرحية ذات منحى فكاهي ساخر، تحمل عنوان "ليلة القبض على جحا". وبرّر الكيلاني هذا التحوّل بكون المسرحية أُنتِجت في مدينة المدية، مسقط رأس نجم الفكاهة في العقود الثلاثة التي تلت الاستقلال، حسان الحسني، وبحاجة اللحظة الجزائرية الراهنة إلى التعبير عنها بالضحك والسخرية، لأنها ثمرة للعبث على أكثر من صعيد.
هذه الخلفية جعلت الكيلاني يستبعد جحا العربي المعروف بأبي الغصن دُجين الفزاري الذي ظهر في العصر الأموي، وجحا التركي المعروف بالشيخ نصر الدين خوجه الرومي، ويصوغ "جحاه" كما تقتضيه اللحظة الجزائرية الراهنة.

هكذا نراه يعبر السحاب والبخور، ويخرج واضعاً غصن النعناع في ثنية أذنه، وهي عادة الظرفاء وذوي الأرواح المشاكسة في الشارع الجزائري، ويظهر كواحد من بحارة "البهجة" (الاسم الشعبي للجزائر العاصمة)، حاملاً النصيحة وناشراً الفرح والخير.

نجد أنفسنا أمام مملكة جديدة كاريكاتيرية، يحكمها ملك لا يقاسم رعيته همومها، ولا حاجاتها، والأقسى من تسلّطه أنه يكره الفرح، ويحاسب كل من يميل إليه أو يمارسه؛ وهو وضع أنتج أجهزة مختلفة لمحاربة الفرح في كل مرافق الحياة.

لقد بُرمجت يوميات الناس على النكد، وسعى شهبندر التجار (بخات محمد)، والوزير الأول (نبيل حجاج)، وأمين المال (إسماعيل صوالحي)، وزنجبيل خادم الملك (مهدي لبصير)، وقائد الحبس (العابد بن الدين)، وضابط الشرطة (بوركبة عبد القادر)، إلى إرضاء الملك (محمد هشام)، على حساب الناس ورغبتهم في أن يعيشوا أحراراً.

فجأةً، يقع الملك مريضاً، لكنه لا يفرّط في حُكمه، بل يبدع في تحصينه بترسانة جديدة من القوانين والأجهزة، ما يؤدّي إلى شروع الغضب الشعبي في التعبير عن نفسه علانية. يلجأ الملك إلى شاطئ البحر، ويباشر حديثاً عميقاً معه، لكن البحر نفسه يهرب منه، ليجد نفسه وحيداً إلا من خوفه في أرض يباب، وهو المفصل الذي يستغلّه جحا ليصبّ عليه قاموس التأنيب والعتاب الذي يخاطب الضمير مباشرةً.

أقرّ المخرج هارون الكيلاني لـ "العربي الجديد" بأنه تصرّف كثيراً في النص الذي كتبه حسين طيلب، لينسجم مع الواقع الجزائري والعربي اليوم، وعمد إلى زرع إشارات إخراجية تقول النفق، ورغبة الذوات في الخروج منه، ومنها المصابيح المثبّتة في الرؤوس والمحمولة في الأيدي.

تتميّز المسرحية التي أنتجتها "جمعية بن شنب" بلغة شعبية حفرت في المتناقضات، واستثمرت في الدعابة السوداء لقراءة ملامح ربيع عربي جمع بين أشواق الإنسان إلى الحرية، وأشواك الطريق إلى بابها الذي صوّره جحا الجزائري على شكل نكتة تدفع إلى العبوس.

ومن المنتظر أن يشارك العمل في مسابقات الدورة الحالية من "المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي" نهاية أيلول/ سبتمبر الجاري.

المساهمون