حكايات مجزرة سوسة

29 يونيو 2015
شهود يروون لـ"العربي الجديد" تفاصيل المجزرة (جيف ميتشيل/Getty)
+ الخط -

لا حديث في مقاهي القنطاوي في سوسة وشوارعها إلا عن المجزرة التي حلت بنزل "أمبريال"، والتي راح ضحيتها العشرات. وبالرغم من أن أبواب المطاعم والفضاءات الترفيهية كانت مفتوحة، وكانت الأماكن القريبة من مكان الاعتداء مزدحمة بالرواد، إذ كانت تنتظر مسيرة سلمية للتضامن مع الفندق، غير أن هول ما حدث كان مسيطراً على الجميع؛ مجرّد أن تتجاوز لحظات الترحيب الأولى وتشرع في الحديث مع الناس حتى تتغيّر نظرات العيون والتعابير، ويحاول شهود العيان الذين حضروا التفاصيل التنصّل بسرعة ومغادرة الطاولة.

اقرأ أيضاً: تونس أمام امتحان الوحدة الوطنية لمحاربة الإرهاب

بلقاسم عامل في مقهى "التراس" القريب من المكان الذي قُتل فيه الإرهابي في سوسة. كان المقهى يغصّ بالزبائن. وبعد جهد وتحايل مع مديره، وافق أن يروي ما شاهد. قال إنه يحاول نسيان ما رأى، وإنه لم يأكل شيئاً منذ يومين، أصابه الارتباك بمجرد الشروع في رواية التفاصيل.

بلقاسم قال إنه كان يعمل مصوراً فوتوغرافياً منذ مدّة بفندق "أمبريال" قبل أن يتحول إلى العمل في المقهى، وبمجرد سماعه الخبر استقلّ دراجته الهوائية وأسرع من دون تفكير إلى الفندق من ناحيته الخلفية. تزامن ذلك مع اللحظة التي رأى فيها الشرطي يقتل الإرهابي وكان دمه يسيل من كل مكان، ثم ذهب إلى الشاطئ وكان أول الذين وصلوا إلى مكان الحادث ليشاهد هول الكارثة. كان الموتى في كل مكان على الشاطئ والدماء تصبغ الرمال. وكان في الوقت نفسه يجيب تلقائياً على مكالمة صديق يسأله عن عدد المقتولين، فيعدّهم: ثلاثة بل خمسة بل ثمانية، ثم يدخل إلى مسبح النزل ويصرخ أن العدد تضاعف، ثم ما لبث أن تضاعف كلما تقدم خطوات أخرى نحو بهو الفندق. غير أن أكثر الصور إيلاماً، والتي لم تغادر مخيلته حتى الآن هي صورة رضيع لم يتجاوز سنته الأولى غارق بدمائه.

يؤكد بلقاسم أن أول الأمنيين الذين وصلوا إلى مكان الحادث هم رجال الحرس البحري، والذين جاءوا على زورق بحري، باستثناء شرطييْن تعرضا للمجرم وأرداه أحدهما قتيلاً من الجهة الأخرى للشاطئ.

محمد، صاحب مطاعم ومحلات للصناعات التقليدية في العديد من الفنادق، يلفت إلى أن الإرهابي اختار هدفه بدقة وعناية، ولم يكن استهداف فندق "إمبريال" عشوائياً، وإنما مدروساً سياسياً أيضاً؛ فمالكته زهرة إدريس هي نائبة في مجلس الشعب، إضافة الى كونها ناشطة سياسية كبيرة في حزب "نداء تونس"، وتنتمي إلى عائلة عريقة وغنية في الساحل التونسي. ولذلك، كان يدرك من خطط للاعتداء ونفذه، أن ضربته ستتجاوز الفندق إلى ما هو أبعد.

لكن محمد يشدد على أن هذا الحادث لن يستطيع المس بحياة التونسيين "ها هم يخرجون ويسهرون في المقهى قرب مكان الحادث، ولا شيء يخيفهم".

خليل، سائق تاكسي من سيدي بوزيد جاء للعمل في سوسة، وهو شاب في مقتبل العمر ومتزوج حديثاً، يقول لـ"العربي الجديد" إن "السياح خرجوا هذه الليلة من مخابئهم في الفنادق بعدما خيروا ليلة الجمعة البقاء فيها، وإنه ربما يكون مؤشراً إيجابياً على بداية تجاوز الأزمة النفسية". ولكنه يشدّد على أن الأمل الكبير الذي رافق بداية الموسم بعد وفود السياح بأعداد كبيرة بداية الشهر، تراجع مع هذه الضربة، مؤكداً أنهم فرحوا بتجاوز اعتداء باردو، ولكنهم سقطوا في مربع جديد.

أما علي الذي يعمل في مقهى بسوسة، فقد تحدث عن إشارة أمنية على غاية من الدقة، حين ذكر أن شهود عيان من العاملين في شاطئ الفندق أكدوا له أن الإرهابي ظل يتردد على الشاطئ منذ أيام للسباحة، وكان يلقي التحية على العاملين هناك ويتودّد إليهم، ما أحدث نوعاً من الألفة بينهم، حتى لا تنتابهم شكوك تجاهه، وأنه بعدما راقب المكان جيداً فاجأ الجميع بضربته التي أحدثت المجزرة.

ويضيف علي أن الإرهابي كان يسبّ التونسيين الذين يعترضون طريقه إلى داخل النزل ويطلب منهم الابتعاد لأنه "لا حاجة له بهم"، وكان يبحث عن الأجانب من السياح، لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا بينهم، بهدف ضرب صورة تونس في الخارج وتدمير صورتها السياحية.

والتقت "العربي الجديد"، أيضاً، أيمن حسان، وهو كاتب تونسي شاب يكتب باللغة الفرنسية. كان يشارك في المسيرة المناهضة للإرهاب. يقول إنه لا بد من نقل الرأي الغاضب جداً من الحكومة، برغم عدم انتمائه إلى أي حزب. ويضيف أن "ما حدث كان متوقعاً؛ لأن الاٍرهاب والتكفيريين والمساجد التي تساهم في إرسال أبنائنا إلى سورية كلها معلومة للحكومة، ولكن وزارة الشؤون الدينية لم تقم بواجبها".

ويعتبر أيمن أن الجهاز الأمني لا بد أن يقوى، خصوصاً على مستوى العمل الاستخباراتي، والذي

لا بد أن يتعافى ولكن من دون العودة إلى الاستبداد. ويشدّد على أن التونسيين سينتصرون على الاٍرهاب، ولكن لا بد من زجر المجموعات التي لا تؤمن بتونس وبقيم الجمهورية.

وانتهت الجولة الليلية في سوسة عند السحور بمطعم يقع بين معتمديتيْ أكودة وحمام سوسة. هناك كان أشرف، صاحب المطعم، غاضباً جداً من غياب المراقبة الأمنية والاقتصار على بعض الدوريات القليلة، مشيراً إلى أنه سمع أصوات الرصاص وهو في المطعم، وعندما خرج للسؤال عما يحدث رأى مئات من السياح يسرعون في كل الاتجاهات ويصرخون من حالة الذعر التي كانوا فيها. 

وأكد أشرف أن الأمني الذي قتل الإرهابي تحلى بشجاعة كبيرة وذهب لمواجهة القاتل الذي كان ينوي المغادرة تماماً كما دخل.
وشدّد على أن منظر طابور الحافلات السياحية المغادرة عشية الجمعة إلى مطار النفيضة كان مؤلماً جدا. وأضاف أنه على الرغم من أن عمله لا يستقطب إلا التونسيين والجزائريين والليبيين فإنه يخشى من أن تتسع دائرة الخوف وتشملهم أيضاً.

اقرأ أيضاً: تونس .. يريدون إجهاض الديمقراطية اليتيمة في العالم العربي

المساهمون