حق اليمن في أن يعود سعيداً
فيما تستعر الحرب الدائرة رحاها في اليمن، لا يزال أفق الحل السياسي مسدوداً. فعاصفة الحزم شارفت أن تنهي أسبوعها الثالث، والحوثيون ما زالوا قادرين على شن العمليات العسكرية. أما تنظيم القاعدة فيزداد قوة ونفوذاً، ويستغل حالة الفوضى وغياب الشرعية التي تعم البلاد. وينذر الوضع الراهن بأن العودة إلى الحوار لحل الأزمة اليمنية أمر بعيد المنال، ما يعني أن عاصفة الحزم ستستمر، والمواجهات المسلحة بين اليمنيين قد يطول أمدها.
أمام هذا المشهد القاتم، تبرز الحاجة الملحة إلى وجود طرفٍ يلعب دور الوسيط بين القوى المتناحرة، الإقليمية والمحلية، لوقف دوامة العنف. فما أحوج اليمن إلى جهةٍ عربيةٍ، أو إسلاميةٍ، تهدئ من التصعيد المروع والاصطفافات الحادة التي باتت تشعل هذا البلد الفقير، وتهدد أمن منطقة الشرق الأوسط بأسره. وبات من الحيوي توفير المناخ الملائم لإطلاق عجلة الدبلوماسية، التي بدورها تعزز فرص وقف العنف الدائر.
وحتى الآن، ما زال هذا الطرف غائباً، باستثناء محاولات تركية خجولة لرأب الصدع. وقد أكدت أنقرة سعيها إلى إيجاد حل سياسي، يضمن وقف إطلاق النار، وإرسال مساعدات إنسانية إلى اليمن، إلا أن جهودها لم تترجم إلى نتائج ملموسة بعد. وتلوح، اليوم، الفرصة أمام باكستان لتضطلع بهذا الدور الحيوي. فقرار البرلمان الباكستاني التزام الحياد مؤشر على رغبة إسلام آباد في البقاء على مسافة واحدة من جميع الأطراف الإقليمية، الأمر الذي يخولها لعب دور دبلوماسي فعال، لإيجاد حل سلمي للأزمة. وعلى الرغم من إحجامها عن المشاركة في عملية عاصفة الحزم، إلا أن إسلام آباد أكدت التزامها بأمن الخليج، وتقديم الدعم التام للمملكة العربية السعودية، في حال "بروز أي تهديد لوحدة التراب السعودي".
صحيح أن رفض البرلمان الباكستاني المشاركة في عملية عاصفة الحزم نابع من خشية المشرعين أن يمتد التوتر المذهبي إلى باكستان. فالباكستانيون من الطائفة الشيعية يشكلون 20% من السكان، وأي عمل عسكري في اليمن قد يؤجج التوترات الطائفية في البلاد، إذ إنه قد يفهم على أنه وقوف الحكومة مع فئةٍ ضد أخرى. وصحيح أن باكستان تسعى، منذ مدة، إلى توطيد علاقاتها مع طهران، لا سيما من خلال بناء خط أنابيب لاستيراد الغاز الطبيعي من إيران. وصحيح أن باكستان أنهكتها الحروب، وها هي تستعيد عافيتها رويداً رويداً بعد سنوات من المواجهات العسكرية مع المسلحين الأفغان على حدودها. غير أن هذه الأسباب يجب أن تكون دافعاً إضافياً لها للعب دور الوسيط، إذ من مصلحة باكستان وقف مسلسل العنف الذي يلتهم المنطقة.
لكن، بالطبع، لا يمكن لباكستان، وحدها، تحقيق أي تقدم دبلوماسي في الملف اليمني، بل عليها العمل مع مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية ومنظمة مؤتمر الدول الإسلامية، للتوصل إلى وقف إطلاق نار عاجل وسريع، ومن ثم العمل على تحقيق المصالحة التي تضمن الوحدة الوطنية اليمنية. وهنا، لا بد من التأكيد على ضرورة أن يشمل الحوار جميع أبناء الشعب اليمني، من دون استثناء أي طرف، لكي يكون الحل شاملاً وعادلاً، يضمن مشاركة جميع اليمنيين، من دون انتقاص حقوق أي فئة أو طائفة.
وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة، أيضاً، إلى أهمية وضع حد للتشنج السائد في الخطاب السياسي. فتهديدات المرشد الأعلى، علي خامنئي، للمملكة العربية السعودية بأنها ستتلقى ضربات موجعة في اليمن، و"سيمرغ أنفها في التراب"، كلام لا يؤدي سوى إلى تأجيج حدة الأزمة. ففي حال كانت الرغبة الحقيقية إحلال السلام في اليمن، فالأجدى اللجوء إلى خطاب التهدئة، والبحث عن الحلول، عوضاً عن الاستفزازات التي لا تؤدي سوى إلى مزيد من التوتر.
عندما ننظر إلى ما آلت إليه الأمور في اليمن، نرى كم نحن بحاجة، اليوم، إلى تغليب لغة الحوار على السلاح، وإلى وجود قادة يمنيين حكماء، كعبد الكريم الأرياني ومحسن العيني وآخرين ممن لديهم الصبر والحنكة، للنهوض باليمن، وإعادة اللحمة إلى الشعب. فبغض النظر عن الأهداف التي ستحققها عاصفة الحزم، لا يمكن حصر المواجهة مع الحوثيين في التدخل العسكري، بل من الضروري أن تكون التنمية، وكل ما تنطوي عليه من حد للفقر ومحو للأمية، الركن الأساس لأي سلام حقيقي ودائم في اليمن. الأهم، في هذه اللحظة، هو المباشرة الفورية بوقف إطلاق النار، وبدء عملية المصالحة، والعمل لاسترجاع ما استحقه اليمن من لقب اليمن السعيد.