حق "التعويض" الفلسطيني... لجنة التوفيق الدولية المعنية بحماية الممتلكات

30 اغسطس 2020
لاجئان في قطاع غزة يتفقدان آثار الدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -

"العودة"، "العودة أو التعويض"، " لعودة والتعويض"، "العودة حق فردي وجماعي"، عبارات يؤمن بها الفلسطينيون في كل زمان ومكان، في كثير من الأحيان تكون هي الأمل الذي يتشبث به الفلسطيني دون فهم مرجعيته أو خصائصه أو الكيفية التي يمكن أن تساهم في تحقيقه، وقد بدأت دراسات وأبحاث تحاول أن تجعل من مصطلح العودة مصطلحاً ملموساً وفاعلاً وحقيقياً والرد على كل الادعاءات الإسرائيلية بخصوص استحالة هذه "العودة"، بينما ظل مصطلح "التعويض" غامضاً مبهماً وشديد التعقيد، بدءاً من القوانين والقرارات الدولية القاضية بهذا الحق وصولاً إلى التقديرات الدولية والفلسطينية للممتلكات الفلسطينية في فلسطين ما قبل عام 1948.

غيبت قسراً حقيقة أن وكالة غوث للاجئين ليست هي العنوان الأساسي للحق الفلسطينيين في "العودة"، أي أنها ليست العنوان المنوط به الحفاظ على حق العودة، إذ قامت من أجل الإغاثة للاجئين الفلسطينيين، فيما كانت "لجنة التوفيق الدولية" المعنية بحماية الممتلكات الفلسطينية، وقامت تلك الوكالة بحصر ممتلكات الفلسطينيين أو بعض منها وتقديرها عبر مبعوثيها ولجانها المختلفة وقدمت تقارير بهذه الحقوق. وبضغوط أميركية واسرائيلية وتجاهل عربي وفلسطيني اختفت تلك الوكالة، ليطوى بعدها ملف "التعويض" وبالتالي العودة. كيف ذلك وأين ذهبت وهل يمكن المطالبة بإعادتها وتفعيلها؟ هذه الورقة تجيب باقتضاب عن ذلك.

مفهوم "الحماية" مختلف عن مفهوم "الإغاثة":
"بحسب القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها رقم (72) بتاريخ 7/12/2017، فإن لجنة التوفيق (UNCCP) مطالبة بالبحث عن وسيلة لإحراز تقدم في تنفيذ الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة 194 (د-3) (العودة والتعويض واستعادة الممتلكات للاجئين الفلسطينيين)".

كان هذا الخبر بمثابة الحجر الذي أُلقي في بركة راكدة لدى الرأي العام الفلسطيني ولدى المهتمين من القيادات الفلسطينية والباحثين حول "لجنة التوفيق الفلسطينية" التي تطالبها الأمم المتحدة بإيجاد وسائل لتنفيذ قرار العودة والتعويض. الأمر الذي يعني أن تلك اللجنة لا تزال قائمة ولا تزال تعمل ولم يتم إنهاء دورها بل على العكس فإنها تقدم تقريراً دورياً بأعمالها.
كانت البداية في شهر ديسمبر من عام 1948، إذ تم إنشاء "لجنة التوفيق الدولية" كجزء أساس من القرار 194 لعام 1948، وبعضوية كل من تركيا وأميركا وفرنسا لمتابعة المهام التي كان يقوم بها برنادوت والعمل على إيجاد تسوية نهائية لقضية فلسطين. ورفع الوسيط الدولي برنادوت تقريره إلى الأمم المتحدة الذي حمّل فيه إسرائيل مسؤولية العدوان، وطالب بحق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم ومنازلهم كشرط أساسي لتسوية النزاع بين الطرفين.

ووفقاً لهذا التقرير أصدرت الأمم المتحدة قرارها رقم 194/ فقرة 11 لتؤكد حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين. ودعا القرار إلى إنشاء لجنة الأمم المتحدة للتوفيق حول فلسطين UNCCP "مهمتها السعي لتحقيق السلام في فلسطين، وتسهيل عودة اللاجئين من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي إلى جانب دفع التعويضات لهم".

مارست لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين هي الأخرى دورها بالعمل على إعداد آليات عمل تطبيقية لعودة اللاجئين الفلسطينيين الى بيوتهم واستعادة ممتلكاتهم وتعويضهم وتوفير الحماية القانونية والإنسانية والجسدية لهم، بمن فيهم المهجرون الفلسطينيون داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وهذا ما أشارت إليه ديباجة قرار تأسيس الوكالة رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة بالإضافة إلى الفقرة الخامسة والفقرة العشرين التي أشارت إلى تطبيق ما جاء في القرار.

بعد صدور القرار 194، بدأت مفاوضات لجنة التوفيق في فلسطين التابعة للأمم المتحدة UNCCP في لوزان، واستمرت تلك المفاوضات منذ شهر كانون الأول/ يناير وحتى شهر أيار/ مايو 1949. وبتوقيع بروتوكول لوزان في 12 أيار/ مايو 1949، وافقت "إسرائيل" أخيراً على خطة التقسيم (القرار رقم 181) وعلى عودة اللاجئين (القرار رقم 194). لكن ذلك كان محض خدعة، فقط من أجل إنجاز قبول عضويتها في الأمم المتحدة، وبعد يومين من قبول عضويتها في الأمم المتحدة، قدمت "إسرائيل" شروطاً، كان هدفها الأول إجهاض بروتوكول 12 أيار/ مايو، وفقاً لما قاله ممثلها. واستقال المبعوث الأميركي الرئيس "إيثردج" Ethridge، الذي أصر على عودة اللاجئين، مشمئزاً من الخديعة الإسرائيلية.

العودة والتعويض واستعادة الممتلكات للاجئين الفلسطينيين
جاء قرار 194 ليساهم في تكريس الاعتراف الدولي بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة والحصول على التعويضات المناسبة كحل لإصلاح الأضرار التي لحقت بهم، إذ كرّس قرارالجمعية العامة آنذاك "التعويض" وعلاقته بحق عودة اللاجئين لكنها لم تذكر صراحة أنه "مبدأ من مبادئ القانون الدولي".

أثيرت مسألة تعويض الفلسطينيين عن أملاكهم وأموالهم المتروكة في فلسطين من قبل وسيط الأمم المتحدة برنادوت من خلال تقريره الذي اقترح فيه دفع تعويضات ملائمة للاجئين دون أى مقترح حول كيفية دفع التعويضات بصورة فردية أو بصورة جماعية. لكن أصرت إسرائيل على دفع التعويضات كمساهمة إنسانية منها بصورة جماعية لأولئك الذين غادروا "إسرائيل" وضمن اتفاقية سلام بين الطرفين المتنازعين، كما حددت القيمة بصورة ثابتة وليس استناداً إلى قيمة أملاك كل عائلة عام 1948. إلا أنّ إصرار المندوبين العرب خلال مفاوضات باريس 1951 على أن يكون للتعويضات الطابع الفردي وأن يتمكن الفلسطينيون من ممارسة هذا الحق دون أي تحديد زمني أو جغرافي ودون ربط هذا التعويض بمدى قدرة إسرائيل المالية، قد ساهم في إفشال جميع كل المقترحات والعروض الإسرائيلية والأميركية التي تتنصل من الحقوق الفلسطينية.
حاولت لجنة التوفيق الدولية في بداية عملها التحقق من مصير أملاك اللاجئين من السلطات الإسرائيلية التي كانت قد أكدت في شباط/ فبراير 1949 أنها مستعدة لدفع التعويضات للاجئين غير العائدين عن بعض من أملاكهم غير المنقولة، وكان بن جوريون قد حدد الأملاك غير المنقولة والأراضي المزروعة فقط كما ربطها بقضية التعويض عن الأملاك اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

كذلك وافقت إسرائيل عام 1950 علي دفع تعويضات بشروط محددة، منها وقف المقاطعة الاقتصادية العربية، ودفع تعويضات بصورة جماعية، والحصول على التعويضات عن أملاك اليهود في الدول العربية، واستعمال التعويضات من أجل إعادة التوطين للاجئين، على أن تكون هذه المبالغ خاتمة لكل المطالب التي ترفع بوجه اسرائيل.

وفي شهر كانون الأول (ديسمبر) عام 1949، تمت الموافقة على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين UNRWA، لتقوم بمهام مغايرة عن مهام لجنة التوفيق الدولية، تنحصر في حماية اللاجئين حتى حل مشكلتهم، وإغاثتهم وتشغيلهم، عبر مساعدتهم على الانخراط في سوق العمل، أو من خلال دعم بعض المشاريع الصغير. في حين مازالت لجنة التوفيق الدولية هي المعنية بتطبيق قرار عودة اللاجئين وحماية ممتلكاتهم داخل فلسطين.

ولم تضيع إسرائيل الوقت من جهتها. فقبل أسابيع فقط من بدء "الاونروا" عملياتها في شهر أيار/ مايو عام 1950، أعلنت إسرائيل "قانون أملاك الغائبين" الشامل كلياً، والزائف قانونياً بالكامل من أجل اغتصاب ومصادرة كافة أملاك اللاجئين. الأمر الذي دفع الجمعية العامة إلى إصدار القرار رقم 349 بتاريخ 14 نوفمبر 1950 بطلب من الدول العربية لإنشاء مكتب اللاجئين التابع للجنة التوفيق بهدف حماية أملاك اللاجئين والعمل على تنفيذ القرار رقم 194. إلا أن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً شديدة من أجل حصر عمل المكتب بالمسائل الثانوية فقط.

استطاع المكتب المذكور أن يقوم خلال 14 عاما ابتداء من مايو 1952 بتحديد الأراضي العربية وقيمتها بالنسبة لكل فرد، إلا أن التقرير النهائي العائد للجنة التوفيق لم يتضمن أي إشارة لهذه الأرقام، وذلك خوفا من ردة فعل الأطراف المعنية ولا سيما العرب (وفقا للتقرير السنوي للجنة عام 1964).

الممتلكات الفلسطينية ولجنة التوفيق الدولية (التعويض بالأرقام)
أحصى مكتب اللاجئين التابع للجنة التوفيق أملاك الفلسطينيين قبل عام 1948 لكن في التقرير الأول لها الذي قدم إلى الأمم المتحدة شابه الكثير من العوار، إذ لم يأخذ بعين الاعتبار الأملاك الخاصة العائدة للاجئين باعتبار أن 50% من اللاجئين ليس بحوزتهم صك تسجيل. كما استند التقييم العام إلى وضع الأراضي المحددة في اتفاقات الهدنة بين إسرائيل ومصر والأردن وسورية ولبنان حيث قدرت قيمة الأراضي العربية المتروكة بحوالي مئة مليون جنيه فلسطيني والأملاك المنقولة بحوالي 20 مليون جنيه فلسطين. وبررت اللجنة الأرقام التقريبية تلك بصعوبة الوصول إلى السجلات الرسمية نظرا لاستيلاء إسرائيل على لجنة الوصاية على أملاك الغائبين عام 1951.

دعت لجنة التوفيق الدولية في أغسطس 1951 حكومات كل من (إسرائيل) ومصر والأردن ولبنان وسورية إلى إرسال ممثلين إلى مؤتمر باريس الذي عقد في 13 /9 /1951 وتقدم فيه رئيس اللجنة بمذكرة إلى الوفود العربية والوفد الإسرائيلي، كل على حدة، شرح فيها أهداف اللجنة من مباحثات المؤتمر، ومن بينها: “تسوية حقوق الأشخاص وأوضاعهم، خاصة فيما يتعلق بإعادة توطين اللاجئين ودفع التعويضات عن الخسائر الناجمة عن القتال”. واقترحت اللجنة: “قبول الحكومة الإسرائيلية دفع تعويضات عن الممتلكات التي يتركها اللاجئون الذين لا يعودون. ويكون التعويض مبلغاً يقدر على أساس القيمة التي توصل إليها مكتب اللجنة للاجئين، وأن توضع خطة للدفع تأخذ بعين الاعتبار قدرات الحكومة الإسرائيلية على ذلك. توضع هذه الخطة من قبل لجنة خاصة من الخبراء الاقتصاديين والماليين يتم تعيينها من قبل الأمم المتحدة”.
لم تقبل كل من الدول العربية والاقتصاديين الفلسطينيين بتقديرات لجنة التوفيق الدولية التي طرحت في مؤتمر باريس، وطرح الخبراء الفلسطينيين في المؤتمر رقماً يوازي 20 مرة تقدير اللجنة المذكورة أي حوالي 35 مليار دولار أميركي، وطالبوا بإعطاء اللاجئين تعويضا عن حصصهم في المرافق العامة (الطرقات والمرافئ...).

في الستينيات وبعد فشل كل المشروعات الدولية القاضية بإيجاد تسوية لمشكلة اللاجئين وتعويضاتهم، قامت لجنة التوفيق الخاصة بفلسطين خلال سنة 1964 بإبلاغ الجمعية العامة للأمم المتحدة أنها أنجزت برنامجها الخاص بحصر وتثمين الأملاك العربية في (إسرائيل) استجابة لتكليف الجمعية العامة في قرار لها بتاريخ 14 /12 /1950 تطلب فيه من اللجنة أن تتخذ الخطوات التي تراها ضرورية “لتقدير التعويضات التي يجب دفعها إلى السكان العرب الذين نزحوا عن ممتلكاتهم في فلسطين بعد انتهاء حكم الانتداب البريطاني”.

بعثت الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى الدول العربية في 21 /11 /1964 مذكرة تتعلق بلجنة التوفيق وتماديها في التحيز ضد العرب. وأشارت هذه المذكرة إلى البيان الذي أصدرته لجنة التوفيق في 12 /11 /1964 حول أملاك العرب في (إسرائيل)، والذي دل على تجاهل وجود الشعب العربي الفلسطيني كمجموع، بالاتصال بالفلسطينيين كأفراد، بشأن ممتلكاتهم في فلسطين المحتلة وطبيعة هذه الممتلكات.

رغم فشل لجنة التوفيق في أداء مهامها وقصورها في تثمين الممتلكات الفلسطينية بحجج مختلفة ومتنوعة، إلا أنها ظلت تقدم تقريرها السنوي حتى يومنا هذا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة حصر الممتلكات وتقديرها وتشكل تلك التقارير والمعلومات مادة مهمة حول مسألة التعويضات كونها تشكل أبرز المحاولات التي جرت لتقدير حجم الخسائر التي أصابت اللاجئين، بجانب السجلات التي احتفظت بهم الأنروا لكل لاجئ: اسمه، وقريته الأصلية، أفراد عائلته، ومكان نفيه.

يجدر الإشارة أن الكثير من الأراضي الفلسطينية لم يتم تسجيلها في ظل النظام العثماني، كما تم تصنيف بعض الأراضي في ظل الانتداب بحوالي خمسة ملايين و200 آلف دونم، ومع فقدان أو تلف معظم الأفلام وثبوت عدم قانونية السجلات التي أخذت إلى إنكلترا فكثير من الأراضي الفلسطينية لم تسجل ملكيتها أو أخفيت ملكيتها أو أتلفت عن قصد.

رغم غياب لجنة التوفيق الدولية وتقليص حجم أعمالها، وما يشوب تقاريرها الخاصة بحصر ممتلكات الفلسطينيين الذين فقدوها في حرب 1948، وتحديد القيمة الفعلية لها، لكن إعادة إحيائها والمطالبة بتفعيل دورها أمران ضروريان لحماية اللاجئين الفلسطينيين أينما كانوا ليس فقط في مخيمات دول الطوق العربي أو الداخل، ولكن في كل الشتات الذي يخضع فيه الفلسطيني لمظلة دولية لحمايته كما هو الحال لباقي اللاجئين المندرجة تحت اتفاقية اللاجئين لعام 1951. فالمجتمع الدولي خص اللاجئين الفلسطينيين بمظلات دولية خاصة به، وعليه فإن إعادة تفعيل لجنة التوفيق الدولية أمر في غاية الأهمية لما تشمله من حماية دولية.

المساهمون