12 اغسطس 2018
حقيقة مطالب الاحتجاجات في تونس
بين المغالاة في القول إن تونس تملك ثروة نفطية وغازية، من دون إثبات ذلك علميًا، وغياب الشفافية في موضوع الطاقة، من حيث الإنتاج والتسويق والعائدات، ظلت الثروات التونسية من النفط والغاز، خاضعةً للتجاذبات السياسية. ومع ذلك، يصير مطلوبا من الباحث الموضوعي التأنّي في إصدار أحكام قطعية في هذا الشأن. وفي ضوء الاحتجاجات الشعبية المتواصلة في محافظة تطاوين في أقصى الجنوب التونسي، اتخذ المحتجون المطالبون بالتنمية والتشغيل في الشركات البترولية العاملة في الحقول النفطية، منحًى تصاعديًا، حين أكّدوا على حق المحافظة في الاستفادة بنحو 20% من عائدات الموارد النفطية الموجودة فيها من النفط والغاز، إلى جانب تشغيل فردٍ من كل عائلة في الشركات البترولية الأم.
من الجدير بالذكر أنه في وقتٍ تشهد تونس تراجعًا ملحوظًا في العمليات الإرهابية بنسبة تناهز 84%، تشهد البلاد تناميًا مضطردًا في الحركة الاجتماعية التي اكتسحت المحافظات المحرومة والمهمشة تاريخيا، على غرار الكاف في منطقة الشمال الغربي، والقيروان والقصرين في الوسط الغربي، وقفصة وتطاوين في الجنوب التونسي، والتي تطالب بالتنمية والتشغيل بشكل عام، وحازت إجماعا نقابيا ومدنيا وشعبيا استثنائيا، حيث نلاحظ انخراط كل الشرائح الاجتماعية في هذه الاحتجاجات العامة والشاملة، التي تعكس، بصورةٍ واضحةٍ، رفضًا شعبيًا لمنوال التنمية القديم الذي تسير فيه تونس، والذي وصل إلى مأزقه المحتوم، بشهادة المؤسسات الدولية المانحة، وأصبح عاجزًا عن تطوير القدرة التشغيلية والتنموية للاقتصاد التونسي.
لا يختلف اثنان في تونس على جملةٍ من الحقائق التي أصبحت ساطعةً في المشهد السياسي
التونسي، ومنها الفجوة العميقة التي باتت تفصل بين الطبقة السياسية الحاكمة على اختلاف مكوناتها، وكذلك أحزاب المعارضة، والشعب التونسي المثقل بالأزمات والإحباط، وبات يتحرّك خارج تأطير الأحزاب السياسية المعارضة والنقابات العمالية، وعلى هامش السلطة السياسية، وعلى هامش المنابر الإعلامية التي يديرها المال الفاسد الذي اخترق الأحزاب السياسية الحاكمة، وسيطر على الحكومات التي تعاقبت على حكم تونس بعد الثورة، فتعمقت أزمات البلاد على جميع المستويات، من جرّاء عجز تلك الحكومات عن تقديم حلول واقعية وعقلانية للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما أزمة التشغيل التي تطاول حوالي 700 ألف عاطل، من بينهم 250 ألفا من أصحاب الشهادات الجامعية.
بعد عقود طويلة من استخراج الفوسفات، والنفط، والغاز، لاتزال مناطق الحوض المنجمي، والجنوب، والشمال الغربي، محرومة ومهمّشة، تنعدم فيها المرافق، ويعاني فيها الأهالي من الحرمان من المشاريع التنموية والبطالة، وتفشّي الأمراض وانعدام التغطية الصحية والطبية. وتحتاج هذه المناطق المهمّشة تاريخيا الآن إلى إعادة النظر في منوال (وبرامج) التنمية الخاصة بها، بشكل جذري وشامل، وتعويض كل سنوات الحرمان التي عاشتها، على الرغم من ثرواتها التي خرجت منها (فوسفات، ونفط، وغاز، وإنتاج زراعي وحيواني إلخ)، على امتداد عقود، ولم تجن منها سوى الحرمان.. ولا تبدو المطالب الاقتصادية والاجتماعية التي ترفعها هذه المناطق خياليةً او مستحيلةً، فقليل من المشاريع التنموية المنتجة، وقليل من التوزيع العادل للثروات، يكفيان لتغيير وجه تلك المناطق التي عانت طويلاً من الحرمان والفقر والتهميش.
أظهرت الاحتجاجات الشعبية حجم المأساة التي تعيشها تونس، بسبب عجز الحكومات المتعاقبة بعد الثورة عن محاربة الفساد، بل أكدت السلطات الجديدة أنها، كقيادة سياسية منتخبة، لا تتمتع بثقافة ديمقراطية، وليس لديها أي مشروع لبناء دولةٍ وطنيةٍ ديمقراطية، فضلاً عن غيابٍ شبه كلي للإرادة السياسية للتغيير والتطوير ومكافحة آفة الفساد.
تتطلب مسألة مكافحة الفساد المستشرية والمؤثرة في مسيرة الدولة الديمقراطية الناشئة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والثقة بمؤسساتها، حيث لا يزال عود هذه الديمقراطية طرّيًا في
تونس، من الأحزاب الحاكمة فيما تسمى "الديمقراطية التوافقية" أن تمتلك إرادة التغيير، أي الإرادة السياسية الجامعة، والقادرة على (والراغبة) إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، فمثل هذه الإرادة السياسية غير متوفرة لدى هذه الأحزاب التي تتشكل منها الحكومة، لأن المال السياسي الفاسد هو الذي أوصلها إلى السلطة. ولهذا لا تشعر بأي انتماء للدولة الوطنية الديمقراطية، بل هي تتعاطى مع منطق الدولة، وفق رؤيتها الخاصة القائمة على الدولة الغنائمية، ما دامت تعتبر المناصب الوزارية العامة طريقًا إلى الثروة والنفوذ، ومادام الشأن العام، والمصلحة العامة، والخدمة العامة، مغيبًا أو منتقصًا، لحساب مصالح سياسية فئوية حزبية وجهوية وطائفية، وطبقية رأسمالية طفيلية، مادامت هذه المظلات تشكل شبكة أمان وحماية تحصن الفساد، وتحمي الفاسدين، وتجعلهم في منأى من المساءلة والمحاسبة وتسليط العقوبات عليهم.
ما دامت تونس تعيش في ظل دولة غنائمية، لا دولة وطنية ديمقراطية حريصة على بلورة منوال تنميةٍ جديد، يحقق المطالب المشروعة في التشغيل والتنمية للمناطق المحرومة، وعلى القيام بالإصلاحات المرتبطة بمفاهيم المجتمع الأساسية وقيمه، ومنها معنى الدولة الديمقراطية، ومفهوم الخدمة العامة والمواطنة، والشأن العام، وأخلاقيات الوظيفة، والثقافة الديمقراطية، ومفهوم دولة القانون والحقوق والواجبات والحكم الرشيد، وبالتالي استقلال القضاء، فإن الاحتجاجات الاجتماعية المطالبة بالتنمية المناطقية (الجهوية) والتشغيل، ستتواصل، وقد تتحول إلى انفجار شعبي كبير، في ضوء التزام الحكومة الحالية بوصفات صندوق النقد الدولي وشروطه المعروفة، لا سيما التأكيد على "تعويم" الدينار الذي ستكون له نتائج كارثية على الاقتصاد التونسي، الذي بقيت نسبة النمو فيه دون المطلوب.
من الجدير بالذكر أنه في وقتٍ تشهد تونس تراجعًا ملحوظًا في العمليات الإرهابية بنسبة تناهز 84%، تشهد البلاد تناميًا مضطردًا في الحركة الاجتماعية التي اكتسحت المحافظات المحرومة والمهمشة تاريخيا، على غرار الكاف في منطقة الشمال الغربي، والقيروان والقصرين في الوسط الغربي، وقفصة وتطاوين في الجنوب التونسي، والتي تطالب بالتنمية والتشغيل بشكل عام، وحازت إجماعا نقابيا ومدنيا وشعبيا استثنائيا، حيث نلاحظ انخراط كل الشرائح الاجتماعية في هذه الاحتجاجات العامة والشاملة، التي تعكس، بصورةٍ واضحةٍ، رفضًا شعبيًا لمنوال التنمية القديم الذي تسير فيه تونس، والذي وصل إلى مأزقه المحتوم، بشهادة المؤسسات الدولية المانحة، وأصبح عاجزًا عن تطوير القدرة التشغيلية والتنموية للاقتصاد التونسي.
لا يختلف اثنان في تونس على جملةٍ من الحقائق التي أصبحت ساطعةً في المشهد السياسي
بعد عقود طويلة من استخراج الفوسفات، والنفط، والغاز، لاتزال مناطق الحوض المنجمي، والجنوب، والشمال الغربي، محرومة ومهمّشة، تنعدم فيها المرافق، ويعاني فيها الأهالي من الحرمان من المشاريع التنموية والبطالة، وتفشّي الأمراض وانعدام التغطية الصحية والطبية. وتحتاج هذه المناطق المهمّشة تاريخيا الآن إلى إعادة النظر في منوال (وبرامج) التنمية الخاصة بها، بشكل جذري وشامل، وتعويض كل سنوات الحرمان التي عاشتها، على الرغم من ثرواتها التي خرجت منها (فوسفات، ونفط، وغاز، وإنتاج زراعي وحيواني إلخ)، على امتداد عقود، ولم تجن منها سوى الحرمان.. ولا تبدو المطالب الاقتصادية والاجتماعية التي ترفعها هذه المناطق خياليةً او مستحيلةً، فقليل من المشاريع التنموية المنتجة، وقليل من التوزيع العادل للثروات، يكفيان لتغيير وجه تلك المناطق التي عانت طويلاً من الحرمان والفقر والتهميش.
أظهرت الاحتجاجات الشعبية حجم المأساة التي تعيشها تونس، بسبب عجز الحكومات المتعاقبة بعد الثورة عن محاربة الفساد، بل أكدت السلطات الجديدة أنها، كقيادة سياسية منتخبة، لا تتمتع بثقافة ديمقراطية، وليس لديها أي مشروع لبناء دولةٍ وطنيةٍ ديمقراطية، فضلاً عن غيابٍ شبه كلي للإرادة السياسية للتغيير والتطوير ومكافحة آفة الفساد.
تتطلب مسألة مكافحة الفساد المستشرية والمؤثرة في مسيرة الدولة الديمقراطية الناشئة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والثقة بمؤسساتها، حيث لا يزال عود هذه الديمقراطية طرّيًا في
ما دامت تونس تعيش في ظل دولة غنائمية، لا دولة وطنية ديمقراطية حريصة على بلورة منوال تنميةٍ جديد، يحقق المطالب المشروعة في التشغيل والتنمية للمناطق المحرومة، وعلى القيام بالإصلاحات المرتبطة بمفاهيم المجتمع الأساسية وقيمه، ومنها معنى الدولة الديمقراطية، ومفهوم الخدمة العامة والمواطنة، والشأن العام، وأخلاقيات الوظيفة، والثقافة الديمقراطية، ومفهوم دولة القانون والحقوق والواجبات والحكم الرشيد، وبالتالي استقلال القضاء، فإن الاحتجاجات الاجتماعية المطالبة بالتنمية المناطقية (الجهوية) والتشغيل، ستتواصل، وقد تتحول إلى انفجار شعبي كبير، في ضوء التزام الحكومة الحالية بوصفات صندوق النقد الدولي وشروطه المعروفة، لا سيما التأكيد على "تعويم" الدينار الذي ستكون له نتائج كارثية على الاقتصاد التونسي، الذي بقيت نسبة النمو فيه دون المطلوب.