مع تفجر أزمة التحرش الجنسي في مصر، التي تحولت في غضون أيام لكرة ثلج، فسرت إحدى مؤسسات مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب الطبيبة النفسية ماجدة عدلي، المنظور النفسي لجرائم التحرش باعتبار الجنس أداة للعنف، منتقدةً التعليقات التى تشكك في شهادات الناجيات، أو تُلقي عليهن اللوم، أو تتعجب من طول فترات صمتهن.
وكتبت عدلي: "بعد كل تلك الشهادات القوية والجريئة من الناجيات، ورغم الألم الذي أشعر به؛ إلا أنها بداية جيدة في طريق تطهير المجتمع من تلك الجرائم البشعة"، وقالت عبر "فيسبوك": "تلك التعليقات لم تكن بالنسبة لي مجرد دفاع عن التحرش، أو المتحرش، بل إنها إشكالية في إنسانيتنا ومشاعرنا. قد نبكي لمشهد مؤلم في فيلم درامي، وفي المآسي الحقيقية نسخر ونستهزئ. أليس أمرا يتعلق بإنسانيتنا؟ هل جربت الحزن عندما يخون صديق ثقتك به، أو يخونك، أو يتآمر عليك؟ فما بالك بشابات أغلبهن كن في مقتبل العمر وثقن برجال كونهم ثوارا أو حقوقيين، أو كون خطابهم عن العنف والتمييز مختلفا عما هو سائد، أو لكونه مثقفا موسوعيا ولبقا وحلو الحديث".
وتابعت "لم تتخيل الفتيات هذا الازدواج بين الخطاب المعلن والسلوك الفعلي، وهي إشكالية نقع فيها رغم كوننا من كبار السن، فكيف لنا أن نكذب الناجيات ونكيل لهن السباب والاتهامات؟ كيف نستهين بمعاناتهن التي كانت حجرًا على صدورهن لسنوات".
وخلال الأيام القليلة الماضية، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بقصص عن التحرش الجنسي، فجرتها وقائع تحرش اتهم فيها طالب بالجامعة الأميركية، وشجعت الناجيات بعضهن البعض في سرد وقائع التحرش، اللفظي والجسدي، والتي كان بعض أبطالها من المشاهير في الأوساط الثقافية والحقوقية، وفي المقابل انتشرت قصص أخرى للدفاع عن هؤلاء المشاهير، ومن بينهم الناشر محمد هاشم، والحقوقي محمد ناجي، ومؤسس جمعية بلادي لحقوق الإنسان، محمد حسانين.
الاعتداء الجنسي جريمه عنف يستخدم الجنس فيها كأداه العزيزات والأعزاء تأخرت كثيرا في التعليق علي حوادث العنف الجنسي...
Posted by Magda Adly on Wednesday, 15 July 2020
واستطردت عدلي: "الجرائم الجنسية هي جرائم عنف لا يبرر لها أبدا بالكبت والأصول الريفية وغيره، وكأي جريمة عنف قد تقع الضحية وقت الاعتداء في ما يسمى اليأس المكتسب، فعندما لا يكون لدينا خبرات عن طرق النجاة نجرب الصراخ، والبكاء، والتوسل، والصدمة والاندهاش بدون رد فعل. لكن تفشل الآليات واحدة تلو الأخرى حتى نصل إلى هذا اليأس، وفي الأغلب تلوم الضحية نفسها لأنها لم تستطع حماية نفسها، وتقع الناجية بعدها في اكتئاب الصدمة، فتتحاشى الكلام عن الأمر، وتحاصرها المشاهد العنيفة في اليقظة وفي الأحلام، وقد تأتي مع تلك الذكريات نفس ردود الفعل النفسية والجسمانية من رعشة وسرعة التنفس والغثيان، أي تستعيد الموقف كأنه يحدث مجددا بكل تفاصيله وأوجاعه".
ويعتبر التحرش الجنسي جريمة وفقا للقانون المصري، وقد تصل عقوبة مرتكب جريمة التحرش، سواء كان لفظيا، أو بالفعل، إلى السجن لمدة تتراوح بين 6 أشهر و5 سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية. ورغم ذلك، فإن أغلب الفتيات لا يحررن محاضر رسمية بوقائع التحرش، ما يجعل الظاهرة المجتمعية مستترة رغم انتشارها، ورغم تعديل بعض أحكام قانون العقوبات لتوسيع تعريف جريمة التحرش، وتغليظ العقوبة على من تثبت إدانته بها؛ إلا إنها لم تمنع تفشي التحرش الجنسي.
وصنفت القاهرة عام 2017، كأخطر مدن العالم بالنسبة إلى النساء. وأظهرت نتائج دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة أن نحو 99 في المائة من النساء المصريات قد تعرضن لصورة ما من صور التحرش الجنسي.
وتشير دراسة صادرة عن المجموعة المتحدة للقانون، بعنوان "طرق وأساليب القضاء على التحرش الجنسي في مصر"، إلى أن 99.3 في المائة من النساء يتعرضن للتحرش، وعند سؤال هؤلاء النساء عن مظاهر هذا التحرش أفدن بأن طرق التحرش "طلب أن تعمل، أو تبقى ساعات إضافية بعد مواعيد العمل أو الدراسة مع عدم وجود ضرورة، والإصرار على توصيل الأنثى إلى المنزل أو العمل رغم الرفض المتكرر، والإصرار على دعوة الأنثى إلى الطعام أو الشرب أو نزهات برغم الرفض المتكرر، والنكات أو القصص الجنسية التي تحمل أكثر من معنى، والتعليقات الجنسية، والمعاكسات التليفونية، والملاحقة أو التتبع، والمعاكسات الكلامية، وكشف الرجل لبعض أعضاء جسده، أو التلميح بها، والنظرة الفاحصة لجسد المرأة، والتلفظ بألفاظ ذات معنى جنسي، ولمس جسد الأنثى".