حسن نصر الله المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية

13 نوفمبر 2018
+ الخط -
لم يكن الخطاب الأخير للسيد حسن نصرالله خطابا غريبا عن الخطابات التي اعتادها اللبنانيون، إلا أنه شكل تتويجا للخطابات التي ألقاها نصرالله على مدى عشر سنوات خلت، كان خلالها يهيئ اللبنانيين للمرحلة التي يقول لهم فيها بكل فصاحة: لم يعد لكم من أمركم شيئا، إن الأمر إلا لي.

ما ميّز خطابه أول أمس، أنه الأخطر في تاريخ خطابات نصرالله، فيه قال السيد حسن ما يريد أن يقوله منذ 30 عاما، هكذا دون مواربة قال لا يهمني رئيس ولا مفت ولا بطريرك ولا طائفة، ولا دولة ولا حكومة، ولا اتفاق طائف ولا من يحزنون، أنا ربكم الأعلى وحسب.

وقد تعمد السيد نصرالله الظهور للمرة الأولى بصورة المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية، هي صورة ليست جديدة، كان يسقطها اللبنانيون عليه نتيجة خطبه وأفعاله، ولم يكن هو يريدها حينها، ليس لعدم واقعيتها، إنما لأنه يخطط لها ويوقتها على توقيته الداخلي والإقليمي، في اللحظة التي يحقق فيها مزيدا من المكاسب ويصبح لاعبا دوليا يوازي الدول الكبرى في المنطقة..

وها هو في الخطاب المذكور، يعلن ذلك ويقول لكل المعنيين: "حزب الله" هو الآمر الناهي، ما يريده ينفذ وما لا يريده لا ينفذ، إرادته أقوى وأهم من إرادة الدولة اللبنانية، وإن كان على رأسها ميشال عون الذي لم يصل إلى قصر الرئاسة لولا إرادة "حزب الله" الصلبة في ذلك.


نصرالله الخطيب المفوه، اعترف بما لم يكن يعترف به سابقا، بأنه لا يعترف بالدولة اللبنانية ومؤسساتها، وأن جل عمله ينصب للنيل من اتفاق الطائف الذي سيّد الطائفة السنية في لبنان، بعد إنهائه للحقبة المارونية فيه، وهو يقول لمن يريد أن يسمع: ما يجب أن تعرفوه اليوم أنكم تعيشون في زمن الشيعية السياسية والأمنية، ونحن الذين نمسك بزمام الأمور في هذا البلد، نحن من نأتي برئيس الجمهورية ومجلس النواب ولا رئيس حكومة من دون رضانا، ولا حكومة تتشكل إلا على مقاس تطلعاتنا ونقطة على السطر..

وهذه حقيقة مرة، يعلن عبرها نصرالله دخول لبنان مرحلة "المؤتمر التأسيسي" أي إعادة النظر في النظام السياسي القائم عليه، وانتهاء اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، وهو ما أكده وليد جنبلاط في تعليق له على كلام نصرالله الأخير، إذ قال: "كلام الأمس أنهى الطائف".

يهاجم نصرالله علنا رئيس الجمهورية، ويهدد رئيس الحكومة، ويعطل البلاد سنوات وسنوات، ونحن مجبرون على مراعاته، وعدم الرد عليه ورفع السقف تجاهه، لأننا نعاني من خلل في التوازن معه، ولأننا كلبنانيين نريد لدولتنا أن تسود، لا نملك سوى مؤسساتها لنواجه بها، وهذه المؤسسات مصادرة القرار والإرادة منه، وإذا نشرت وسائل الإعلام خبرا ما أو تصريحا أو تسجيلا لأحد اللبنانيين، أيا كان وزنه السياسي أو الشعبي ينتقد فيه "حزب الله"، تفتش عنه في اليوم الثاني لتحييه على جرأته فتجده في أروقة السجون أو تستمع له بعد الظهر خطيبا مشيدا بحكمة نصرالله وأحقية مطالبه.

تشتعل الفتنة في لبنان إذا عرضت محطة تلفزيونية سكاتشا مضحكا ينتقد نصرالله، تحترق القناة عن بكرة أبيها، يضج الشارع بشباب الموتسكلات، وتكسر الممتلكات الخاصة والعامة وتقف الأجهزة الأمنية لا حول لها ولا قوة، حتى يأتي التكليف الشرعي من نصرالله نفسه، بأنكم نفذتم المهمة فعودوا إلى منازلكم وساحاتكم غانمين.

الدولة اللبنانية المترهلة والغارقة بعجز مالي كبير، لا تمتلك وسائل للمواجهة ولا حتى للاعتراض، جل ما يمكن أن تقوم به أن تنسحب أكثر فأكثر من أمام هجمة الحزب عليها، وهو الذي قرر مؤخرا، في ظل تراجع الدعم المالي الإيراني له بفعل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الأخيرة، أن ينغمس أكثر في وزاراتها لتأمين بديل له عن المال الإيراني.

نصر الله بات المرشد لدولتنا، والمرجعية الشرعية والسياسية لها، في ظل تشتت سياسي من الأطراف الأخرى، تجمعهم المصالح المالية والتجارية والاستثمارات، ولا يجمعهم كلام نصرالله الذي نعى لبنان العروبة والحرية واتفاق الطائف، وأدخله كلية في زمن الشيعية السياسية والمحور الإيراني.

يستطيع الحزب بسلاحه وقوته، أن يفرض شروطه على الآخرين، لكنه إطلاقا لن يتمكن من إجبارهم على التوقيع على معاهدة الاستسلام له إذا قرروا الحياة أحرارا ولو في عذاب مهين، فالعذاب الذي تختاره في ظل تمسكك بخياراتك، خير من السعادة التي تستعجلها تحت مظلة الظالمين.
BFED0B9D-3366-4995-8342-D21526EECDAE
مصطفى العويك

مجاز في الحقوق من الجامعة اللبنانية، محام منتسب إلى نقابة المحامين في طرابلس - لبنان، وصحافي منذ أكثر من 8 سنوات، عملت في صحيفة النهار وموقع المدن الإلكتروني وكتبت في العديد من المواقع الإخبارية.