لن يكون صعبًا إيجاد وصفٍ للسيرة المهنية الخاصّة بالممثل المصري حسن حسني ("حي القلعة" في القاهرة، 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1931)، المُكرَّم في الدورة الـ40 (20 ـ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، بمنحه "جائزة فاتن حمامة التقديرية" في حفلة الافتتاح: كثرة عددٍ وندرة إبداع. لكن الندرة نفسها عاجزة عن تقييد إبداعه كلّيًا، رغم قدرة الكثرة على تغييبها فترات طويلة من سيرته تلك، التي يُجمع متابعون لها على أن بدايتها حاصلةٌ عام 1961، بعد أعوام مديدة من العشق الصادق والعميق للتمثيل، منذ بلوغه السادسة من عمره. والندرة ـ إذْ تكشف براعة أداء يتّخذ من حضور الجسد وملامح الوجه وحركة اليدين واستخدام العينين أدوات تعبير وبوح ـ تؤكّد أن لحسن حسني طاقة جميلة سيفقد شيئًا كثيرًا منها بموافقته على التمثيل في كمِّ هائل من المشاريع المُقدَّمة إليه، إنْ تكن المشاريع تلفزيونية أو سينمائية.
والمشاريع تلك منبثقة من اهتمامٍ بالمسرح، عائدٍ إلى مرحلة الدراسة الابتدائية، ما يدفعه إلى المشاركة في أعمالٍ مسرحية مدرسية، مؤدّيًا فيها أدوارًا سيتمكّن، لاحقًا، من الفوز بميدالية تقديرية من "وزارة التربية والتعليم" بفضل أحدها، في منتصف خمسينيات القرن الـ20. تقول الحكاية إنّ حسين رياض (1897 ـ 1965) سيلتحق ـ في الفترة نفسها ـ بلجنة تحكيمية، تتيح له التنبّه إلى الأداء المختلف لحسني، الذي يتيقّن حينها من كون التمثيل قدره، رغم أن احتمال بقائه خارج المهنة والحرفية الأدائية واردٌ حينها، بسبب انخراطه في "فرقة المسرح العسكري" التابعة للجيش المصري، بداية الستينيات المنصرمة، إذْ يُدرك حسني أن التمثيل مهنةٌ، وأن تأدية الأدوار قادرةٌ على منحه بدلاً ماليًا؛ ويُدرك ـ في الوقت نفسه ـ أن التمثيل في الفرقة العسكرية محصورٌ في إطار ضيّق للغاية، لأن مشاهدي أعمال الفرقة جنودٌ وضباطٌ فقط، وأحيانًا أفراد عائلاتهم.
لهزيمة "حرب الأيام الستة" (5 ـ 11 يونيو/ حزيران 1967) فضلٌ كبيرٌ في انتفاء الاحتمال هذا، إذْ تُساهم في تحرّره من ضيق المساحة الفنية. بسببها، تُحَلّ "فرقة المسرح العسكري"، فينعكس القرار إيجابًا على حسن حسني وصديقه حسن عابدين (1931 ـ 1989): "لولا حلّ الفرقة، لظللنا، عابدين وأنا، خارج دائرة الضوء التي كنّا نحلم بها"، يقول حسني، مضيفًا: "حينها، تمّ نقلي إلى "مسرح الحكيم" الشاهد على خطواتي الأولى. هناك، شاركت في مسرحيات عديدة، كـ"عرابي" للمخرج نبيل الألفي، و"المركب اللي تودي" للمخرج نور الدمرداش". هذه مرحلة مُنتجةٌ لمسرحيات "تحقّق صدى طيّبًا لدى جمهور المسرح".
لكن حسن حسني سيكون أحد أبرز ممثلي الأدوار الثانية في مرحلة ما من التاريخ السينمائي المصري. هذا تفصيل غير عابر، بل إشارة واضحة إلى تمكّنه من تحويل الدور الثاني إلى جزء فاعل ومؤثّر في المسار الدرامي للحبكة، وفي العلاقات المتنوّعة بين الشخصيات، وفي دفع الأحداث إلى منعطفات أو تحوّلات أو نهاياتٍ. وهو، بهذا، شريكٌ مع آخرين في صُنع جمالية الدور الثاني، أمثال نجاح الموجي (1945 ـ 1998) وعبلة كامل (1960). وإذْ تُسرف كامل، لاحقًا، في تأدية أدوار كثيرة على حساب النوع، رغم امتلاكها حرفية بديعة في تمثيلٍ يتخطّى المألوف غالبًا، ويتفوّق دائمًا على نفسه من فيلمٍ إلى آخر، في مرحلة سابقة؛ فإنّ الرحيل الباكر للموجي يحول دون معرفة مصير اشتغاله وتحوّلاته.
مع هذا، فإن هؤلاء تحديدًا مساهمون أساسيون في بلورة المعنى الأسمى للدور الثاني في السينما المصرية، في مرحلة لاحقة لعراقة الدور نفسه في ماضي تلك السينما، في أربعينيات القرن الـ20 وخمسينياته وستينياته. كأنهم يستكملون أفعال السابقين لهم بانغماسٍ أدائيّ أصيل في حرفية المهنة، التي تعينهم على إخراج الدور الثاني من مفهوم "السنّيد" إلى ما هو أعمق وأهم وأجمل: فعلٌ تمثيلي متكامل ومتين الصُنعة.
هذا كلّه سابقٌ لخضوع الثنائي حسن حسني وعبلة كامل لطغيان الكمّ على النوع. فالثنائية تلك (كمّ ـ نوع) لن تكون هامشية بقدر ما تُبرز جانبًا مسيئًا للمهنة، التي يُفترض بها أن تجمع في ذاتها حرفية التقنيات بجماليات الأداء ولغته التجديدية التي يتمكّن الممثل من ابتكارها بين حين وآخر. والجانب المسيء متمثّل بالاستسلام لإغراء المال وعشق الشهرة السريعة ورغبة البقاء الدائم في دائرة الضوء، ومنعكسٌ في كمٍّ وفيرٍ من الأعمال السينمائية والتلفزيونية في الـ20 عامًا الأخيرة تحديدًا، التي سيتبوّأ حسني وكامل فيها صدارة المشهد. لكن هذا غير حاضرٍ في أدوار أولى كتلك المعهودة في النتاج السينمائي، بقدر ما تتراوح مكانتها بين دور أول شبه مُعطَّل ودور ثانٍ عاجزٍ عن الارتفاع به إلى مرتبة البطولة، كاعتياد الثنائي على فعله سابقًا.
كأنّ حسن حسني، بهذا، يُسقِط الدور الثاني من تماهيه البديع بمفهوم الدور الأول إلى خانة "السنّيد"، المحتاج دائمًا إلى "نجومٍ" يقودون الصنيع الفني في الاتجاهات المُراد لها سلفًا. رغم ذلك، يستعيد حسني بعض حيويته الجميلة في أدوارٍ قليلة، يؤكّد فيها مجدّدًا براعته التمثيلية، كما في "أحلى الأوقات" (2004) لهالة خليل مثلاً.
لكن الغلبة عائدة إلى كمية هائلة من الأفلام المتشابهة في سذاجة اشتغالها الكوميديّ الباهت، وإلى تسطيحٍ تهريجيّ لمسائل وحكايات.