حسن التميمي:الزراعة في العراق تحتضر لانتشار الفساد

04 يناير 2016
رئيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية في العراق حسن التميمي
+ الخط -
قال رئيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية في العراق حسن نصيف التميمي "إن القطاع الزراعي يحتضر، بسبب الإهمال والفساد، وسياسة إغراق الأسواق بالمنتجات المستوردة"، وطالب في مقابلة مع "العربي الجديد" بضرورة دعم المشاريع الزراعية في البلاد، كونها المحرك الرئيسي للاقتصاد.
وهنا نص المقابلة:

*كيف تقيمون واقع القطاع الزراعي في العراق اليوم في ظل الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية؟ وما هي المخاطر التي تحيط بالزراعة العراقية؟ وهل هناك خطط للنهوض بهذا القطاع؟
يمكن القول إن القطاع الزراعي اليوم يحتضر. فالزراعة في العراق بعد العام 2003، شهدت تراجعاً واضحاً، رغم أن القطاع الزراعي يعتبر شريان الحياة، وداعماً رئيسياً للاقتصاد العراقي. وقد تسبب الإهمال الذي طاول هذا القطاع، وقلة الدعم بتراجع الإنتاج المحلي إلى مستويات متدنية جداً. في السنوات الماضية، كانت الزراعة تمثل ما يقارب 33% من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن القطاع الزراعي ساهم في تشغيل اليد العاملة في المناطق الريفية التي تعاني من البطالة، وبحسب وزارة التخطيط يبلغ عدد العاملين في القطاع الزراعي نحو 43 % من مجموع السكان، إذ إن أغلبية المحافظات في الجنوب والوسط والشمال وإقليم كردستان، تعتبر مناطق زراعية. لكن الإهمال المتعمد لهذا القطاع، أدى إلى تراجعه بنسب كبيرة. من جهة أخرى، فإن الحروب المتكررة التي خاضها العراق، وسيطرة الجماعات المسلحة على الأراضي الزراعية وتحويلها إلى ساحات حروب، قلص الإنتاج الزراعي بشكل كبير.

*برأيكم لماذا لم يحظَ القطاع الزراعي في السنوات الماضية بأكثر من 3% من حجم الموازنات؟ واليوم وفي ظل اتجاه العراق نحو الاستدانة، ما هي الأموال المطلوبة لتفعيل هذا القطاع مجدداً؟
يمر العراق بمرحلة خطيرة، فالأزمة المالية أثرت على مختلف القطاعات والنشاطات الاقتصادية ومنها الزراعة، كما أن الاستدانة الداخلية أو الخارجية لتمويل الموازنة خطوة من شأنها أن تعالج سد العجز المالي الحاصل بسبب تدني أسعار النفط في الأسواق العالمية، وإن أردنا الحديث بالأرقام، فإن القطاع الزراعي يحتاج الى نحو10 مليارات دولار من أجل النهوض مجدداً. وكانت الحكومة العراقية قد أطلقت خطة للنهوض بالقطاع الزراعي، حيث أشارت إلى أنها ستصرف نحو 5 تريليونات دينار لدعم المشاريع، لكن بسبب غياب الرقابة والفساد، لم تصل هذه الأموال. ولذا ففي السنوات السابقة لم يحظ القطاع الزراعي بنصيب وافر من الموازنات، ويعود السبب في ذلك إلى أن السلطات لم تكن تهتم بالقطاعات الإنتاجية، بقدر اهتمامها بالأمن والدفاع.

*في العام 2015، بدأت تظهر العديد من الأمراض في العراق وكان أبرزها "الكوليرا"، حيث هدد هذا الوباء العديد من المحافظات العراقية، فكيف انعكس ذلك على القطاع الزراعي؟
انتشر وباء الكوليرا في العراق بشكل مفاجئ، وتعود أسباب تفشي مرض الكوليرا إلى انخفاض منسوب المياه في نهر الفرات، وتلوث النهر والآبار بمياه الصرف الصحي، ولا شك أن وباء الكوليرا يعتبر من أخطر الأوبئة التي يمكن أن تصيب الإنسان والحيوان والنباتات. وقد هدد وباء الكوليرا بعض المحافظات العراقية، وقد سارعت وزارة الصحة إلى القضاء عليه عبر شتى الوسائل والطرق، وأعتقد أن الإعلام ضخم حقيقة المرض، ولذا شعر العراقيون في جميع المحافظات بالخوف. بالنسبة إلى القطاع الزراعي، لا شك أنه تأثر سلباً بموجة الكوليرا التي ضربت العراق، إذ إن المواطنين اعتكفوا عن تناول الخضر، وهو ما تسبب في حصول أزمة كساد. من جهة أخرى، فقد فرضت وزارة الصحة على أصحاب المطاعم والفنادق، وفي إطار خططها للقضاء على الوباء، التوقف عن تقديم الخضر مع الوجبات أو بيعها لأنها تعتبر ناقلة لمرض الكوليرا، وهذا أيضاً أثر بشكل سلبي على القطاع الزراعي، وعلى المنتجات الزراعية، ودفع المزارع العراقي ثمن كساد منتجاته، بخاصة أن الحكومة لم تقدم أي مساعدات أو تعويضات إلى المزارعين.

*أدى ضعف الإنتاج الزراعي في العراق إلى اعتماد الأخير على خيار الاستيراد من الخارج، ما هي تبعات هذه الخطوة برأيكم؟
يعتمد العراق بشكل كبير على استيراد العديد من المنتجات الزراعية من دول الجوار، وبحسب البيانات، فإن ما يقارب 30 % من المنتجات الزراعية مستوردة من تركيا، الأردن، وإيران، وتقدر قيمة الإنفاق على استيراد المنتجات الزراعية يما يقارب ملياري دولار سنوياً.
قبل العام 2003، تمكن العراق من تحقيق الاكتفاء الذاتي، ولكن خلال السنوات السابقة اعتمد بعض التجار سياسة إغراق السوق بالمنتجات الزراعية من الخارج، الأمر الذي تسبب في ضرب الإنتاج الزراعي، ودفع المزارع ثمن هذه السياسة. يضاف إلى ذلك، أن وزارة الزراعة، لم تفلح في دعم القطاع الزراعي بالشكل المطلوب، ولم تشجع المستثمرين نحو هذا القطاع، ولذا بدأ المزارعون ينصرفون تدريجياً عن العمل الزراعي، وهو ما تسبب في خسائر كبيرة، وباتت الحاجة إلى الاستيراد أكبر من قبل لسد العجز.

* أمام هذا الواقع، من الطبيعي حصول أزمة غذائية في العراق، فجميع المؤشرات تشير إلى أن ضعف الإنتاج الزراعي يؤدي حتماً إلى حصول أزمة غذائية، كيف سيواجه العراق هذا الواقع؟
لا شك أن ضعف الإنتاج الزراعي في العراق يولد أزمة غذائية لها انعكاسات سلبية على المواطنين. وكما ذكرت يعاني العراق من ضعف الإنتاج، لأسباب عديدة، أبزرها غياب الخطط الحكومية الواضحة في المجال الزراعي، وسياسة إغراق السوق، ولذا فإن هذه السياسات الخاطئة من شأنها أن تولد أزمة غذائية. وأعتقد أن العراق بات قاب قوسين أو أدنى من حصول هذه الأزمة قريباً، بخاصة في بعض المناطق التي تشهد معارك، فالأراضي الزراعية هناك لم تعد صالحة، ولا يوجد أي خطط لإصلاح هذه الأراضي، وبالتالي فإن حصول أزمة غذائية بات أمر وشيكا، بخاصة أن العديد من المحافظات التي تشهد معارك وصراعات تتعرض إلى أزمة غذائية حادة.


*برأيكم هل هناك شراكة فعالة بين القطاع العام والخاص لتطوير البيئة الزراعية؟ وهل يلعب القطاع الخاص دوراً في تمويل المشاريع الزراعية؟
لا شك أن القطاع الخاص يعتبر الممول الرئيسي لجميع القطاعات الاقتصادية، ومنها القطاع الزراعي، حيث يساهم القطاع الخاص في تمويل المشاريع الصغيرة، لكن المخاطر الأمنية التي يعيشها العراق، جمدت العديد من المشاريع، ولذا توقفت مشاريع زراعية ضخمة، كان من شأنها أن تساعد في تنمية الاقتصاد العراقي.

*ماذا لو أن العراق لا يعاني من ازمة اقتصادية، ولا حرب ضد تنظيم "داعش"، كيف تتصورون واقع القطاع الزراعي؟
من المؤكد، لو أن العراق، لا يعاني من أزمة اقتصادية، ولم تدخل البلاد في حرب ضد تنظيم داعش، لكان القطاع الزراعي أفضل بكثير مما هو عليه اليوم. فالحكومة العراقية خصصت الجزء الأكبر من نفقاتها من أجل تمويل الحرب، ولذا فإن قطاعات اقتصادية هامة مثل الزراعة، والصناعة تأثرت سلباً، وأعتقد أنه لو خصصت هذه الأموال من أجل القطاعات الاقتصادية الإنتاجية، كالزراعة، لتمكن العراق من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وأصبح أيضاً من الدول المصدرة، خاصة وأن العراق يمتلك العديد من المنتجات الزراعية التي تعتبر ثروة هامة، مثل التمور والحنطة والشعير.

*كيف تقيمون واقع زراعة النخيل في العراق؟ وهل يملك العراق القدرة على منافسة الدول المصدرة للتمور؟
حتى السنوات القليلة الماضية، كان العراق من أبرز الدول المنتجة للتمور في المنطقة. ولكن تراجع إنتاج التمور بشكل تدريجي، ويعود السبب في ذلك إلى أن العراق فقد ملايين أشجار النخيل بسبب الحروب المتكررة، كما أن الأراضي الزراعية تقلصت بشكل كبير بعد تحويلها إلى مبان ومساكن، وقد تراجع إنتاج التمور من نحو مليون طن سنوياً إلى نحو 600 الف طن، ما شكل خسارة كبيرة للعراق.


* قبل العام 2003، حقق العراق تطوراً في مجال الثروة السمكية، أين أصبحت اليوم هذه الثروة؟ وهل استفاد منها؟
تعتبر الثروة السمكية في العراق واحدة من أهم النشاطات الاقتصادية، وتصل نسبة مساهمتها من الناتج المحلي إلى نحو 7%، لكن تعرضت الثروة السمكية بدورها إلى الشلل بسبب قلة الموارد المائية، بالإضافة إلى أن بعض التجار اعتمدوا سياسة إغراق السوق، واستيراد الأسماك من الخارج، وهذا بدوره انعكس سلباً على الثروة السمكية في البلاد.

* أشارت بعض وسائل الإعلام مؤخراً إلى أن التجار يقومون باستيراد أسمدة وأدوية منتهية الصلاحية، ولذا بدأت تظهر العديد من الأمراض في المزروعات، كيف يمكن تجنب استيراد هذه الأسمدة، وهل هناك خطط لمواجهة هذه الأزمة؟
للأسف، فقد تم إدخال كميات كبيرة من الأسمدة العضوية، وأدوات زراعية منتهية الصلاحية، وقد استخدمت على مساحات زراعية كبيرة بسبب فساد التجار، حيث يعمد التاجر إلى تغيير سنة الإنتاج والانتهاء، ويقوم بعدها بتسويق الأسمدة، حاولنا التنبيه لهذه الأفة، وكشفنا العديد من المنتجات الفاسدة، وقد تمكنت وزارة الداخلية في الفترة السابقة من ضبط أكثر من شحنة تحمل مواد فاسدة في طريقها إلى الأسواق.

*في السابق، كان العراق من أبرز الدول التي تنتج العسل، بسبب وجود حقول لتربية النحل، أين أصبحت هذه الحقول؟
في السنوات الماضية، كان العراق يمتلك أكثر من 150 الف خلية نحل، الأمر الذي ساعد في إنتاج كميات كبيرة من العسل ذات الجودة العالية، وكان العراق يصدر كميات كبيرة من العسل إلى الخارج. لكن اليوم، وفي ظل هذه الظروف، فإن إنتاج العسل انخفض. ونحن نحاول في نقابة المزارعين وضع خطط تساعد المزارع في تربية النحل مجدداً، وقد عقدنا العديد من ورش العمل المتخصصة لتشجيع مربي النحل من جديد، لكن هذه الخطوات تبقى غير كافية، إن لم تحاول الدولة مساعدتنا عن طريق تقديم تسهيلات مالية لشراء النحل، وتربيته، وتوجيه المزارع إلى هذا النوع من الأعمال.

اقرأ أيضاً:لخضر بن خلاف: سنوات عجاف "أمام الجزائر بسبب السياسات 
المساهمون