"في الثامنة عشرة من عمري، تركت فلسطين، كنت في بداية شبابي، واليوم أصل إلى التسعين من عمري، هرمت وكبرت، وذهب مني الشباب وأنا في اللجوء، من بلد إلى بلد، ومن مكان إلى مكان". هذا ما تقوله الحاجة حسنة خضر من مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، في صيدا، جنوبي لبنان.
وعن ذكريات النكبة، تقول: "خرج أهلي جميعهم من فلسطين، جدتي وأمي وأبي وشقيقاي وشقيقاتي الأربع. وبينما كانت جدتي تحدثني ونحن نمشي باتجاه سورية عن قتل اليهود للفلسطينيين، كان كلّ تفكيري في الرمان المدعبل، إذ لم أكن أدرك ما ينتظرنا من خطر وألم طوال العمر".
الحاجة حسنة عارف خضر، من بلدة باقة الغربية، في طولكرم بفلسطين المحتلة، والتي اقتطعها الاحتلال وضمها إلى لواء حيفا المحتل. عن حياتهم في فلسطين، تقول: "لم نكن من ملاكي الأراضي أو من الأثرياء، لكننا كنا نعيش كبقية الناس عيشة نرضى بها وترضينا، ولم نكن في حاجة إلى أيّ شيء، خصوصاً أنّ الأهالي كانوا يساعدون بعضهم، على العكس مما نعيشه اليوم في لبنان، وما عشناه طوال أيام اللجوء".
لجأت العائلة إلى درعا، جنوب سورية، وهناك تزوجت حسنة، وجاءت مع زوجها للعيش في بيروت، فيما بقي أهلها في سورية، ومنهم من بقي حتى اليوم. تقول: "عمل والدي في سورية بالفاعل (حمّالاً أو عاملاً يدوياً باليومية)، وكان شقيقاي أيضاً يعملان معه من أجل تأمين متطلبات الحياة. في سورية كانت حياتهم أفضل حالاً مما عشناه في لبنان، فقد تعرضنا لإذلال كبير، وحروب قضت على كثيرين منا، وانتهاكات كبيرة بحقنا، فنحن لم ننل يوماً حقوقنا كبشر". تتابع: "عندما انتقلت مع زوجي إلى لبنان، عشنا في صبرا (محلة في بيروت ملاصقة لمخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين) طوال ثلاثين عاماً، ومن بعدها انتقلت للعيش في حي صفورية بمخيم عين الحلوة. وفي لبنان، كنا كالشخص الذي يغلق على نفسه المغارة. حاولنا الذهاب إلى مصر، فلم نفلح، ثم سافرنا إلى الأردن، لكن لم نبقَ لوقت طويل وعدنا إلى بيروت، وكما عمل أبي بالفاعل، عمل زوجي لتأمين قوتنا".
عن أسرتها تقول: "في زواجي عانيت الكثير، وأنجبت ثلاث بنات وأربعة أبناء، وعندما كبر أبنائي الأربعة استشهدوا... جميعهم قتلوا مظلومين. أعيش وحيدة في هذا البيت بعدما تزوجت بناتي، فيما واحدة منهن تبقى معي طوال النهار، وفي المساء تعود إلى بيتها". وتعيش الحاجة حسنة من راتب تتقاضاه من حركة فتح، إذ كانت منتسبة للحركة طوال عشر سنوات، وبعدها أحيلت إلى التقاعد. تقول: "عملت في العمل العسكري لمدة، وسجنتني الكتائب اللبنانية (حزب يميني لبناني شارك في الحرب الأهلية) مرتين، وتعرضت للتعذيب، لكنهم أفرجوا عني في النهاية".