حسابات رباعي الحكم في تونس

24 سبتمبر 2015

الحكومة التونسية تخلو من التجانس الكافي لأداء مهمتها بسلاسة(6فبراير/2016/Getty)

+ الخط -
عندما تشكلت الحكومة الحالية في تونس (فبراير/شباط 2015) بدا واضحاً أن تركيبتها تخلو من التجانس الكافي، حتى تتمكن من أداء مهامها بسلاسة. وقد ضم الائتلاف الحكومي أربعة أحزاب برلمانية، متفاوتة الحجم والتأثير، بالإضافة إلى وزراء مستقلين، ومنهم رئيس الحكومة الحبيب الصيد الذي لا ينتمي لحزب الأغلبية في مجلس النواب التونسي. ومن هنا، ظهرت جملة من الإشكالات في نمط تعامل هذه الحكومة مع القضايا العالقة والملحة، بالإضافة إلى ظهور تجاذبات واضحة بين الأطراف المشكلة للفريق الحكومي.
فمن ناحيةٍ، بدا حزب نداء تونس متعطشاً إلى المزيد من السلطة ومن النفوذ داخل أروقة الدولة، الأمر الذي لا يخفيه بعض قيادييه ممن يعتبر أن من حقه الاستئثار بالقسم الأكبر من التعيينات الحكومية في المناصب الكبرى والوسطى في الدولة. وعلى الرغم من أن الحزب يتمتع بأكبر عدد من الوزراء، مقارنة بباقي الأحزاب الشريكة، فإنه يسعى إلى مزيد من النفوذ السلطوي، خصوصاً وأن نافذين فيه لا يخفون رغبتهم في تولي منصب رئاسة الحكومة، باعتباره من الاستحقاق السياسي في نظرهم. غير أن "نداء تونس"، والذي يهيمن على منصب رئاسة الجمهورية، وعلى حضور مهم في البرلمان، يشكو من حالة صراع داخلي مزمنة بين الروافد المختلفة التي يتشكل منها، ونعني بها خصوصاً الصراع بين الرافدين اليساري والدستوري، الأمر الذي يجعله عاجزاً عن إتمام مؤتمره الأول، أو الظهور بخطاب موحد في ظل فوضى التصريحات بين قادة الأجنحة المختلفة، والتهديدات التي يطلقها بعضهم ضد آخرين، أو حتى المقاربات السياسية المتناقضة، خصوصاً المتعلقة بالعلاقة مع إسلاميي حركة النهضة (أنظر تصريح الأمين العام للحزب، محسن مرزوق "نحن بورقيبيون جدد، وليس للندائيين جدّ مشترك مع أيّ طرف سياسي يختلف معه فكرياً وأيديولوجياً" خلافاً لمواقف القيادي عبد الرؤوف الخماسي، رئيس منتدى العائلة الدستورية، حيث لا يخفي تقاربه مع التيار الإسلامي). ويشكل الصراع بين الروافد المختلفة لحزب نداء تونس معضلة حقيقية، تنعكس على الحكومة والكتلة البرلمانية للحزب، باعتبار أنه لازال يبحث عن توازنه، من حيث المسار والتوجهات.
في المقابل، تبدو حركة النهضة، وهي الشريك الأصغر في الحكومة (يمثلها وزير واحد) في وضع إشكالي، فهي، من جهة، تسعى إلى الحفاظ على حكومة الحبيب الصيد، وتقديم دعم
سياسي وشعبي لها، غير أنها، في المقابل، في حرج، من حيث أنها ظلت بعيدة عن التعيينات الأخيرة في الأجهزة الإدارية (الولاة والمعتمدين)، بالإضافة إلى الحملة الممنهجة التي استهدفت إبعاد مسؤولين قريبين منها في بعض الوزارات، أو من جهة عزل عدد من الأئمة، بمن فيهم وزير الشؤون الدينية السابق، الأمر الذي دفعها إلى رد فعل حاد ضد الوزير الحالي، عثمان بطيخ، حيث عبرت الحركة "عن رفضها سياسة الانتقام والطرد العشوائي التي ينتهجها وزير الشؤون الدينية، وتلفت نظره إلى أن هذه السياسة إذا تواصلت ستتحول أداة الاستقطاب الرئيسية للإرهاب، ومغذياً لآلة الدعاية الإرهابية التي تعتمد على إقناع الشباب بأنهم في مواجهة دولة معادية للإسلام والدين، كما تتسبب هذه السياسة الموروثة عن الديكتاتورية في توتير الأجواء في أماكن العبادة وزرع العداوة بين المواطنين" (بيان الحركة في 16/09/2015). وعلى الرغم من هذا الموقف، يبدو أن "النهضة" تصر على الحفاظ على الرباعي الحاكم، بالنظر إلى اعتقادها أن صيغة الحكم التوافقي هي الأفضل في المرحلة الحالية التي تشهد فيها البلاد صعوبات مختلفة.
أما حزب آفاق تونس الذي يتمتع بحضور وزاري مهم (4 وزارات) مقارنة بحجمه البرلماني (8 نواب) أو حضوره الشعبي المتواضع، فإنه يحاول تثبيت مواقعه في السلطة، على الرغم مما يظهر من نقد في تصريحات أخيرة للأمين العام للحزب، فوزي عبد الرحمن (على هامش انعقاد المؤتمر الوطني للحزب في 20/09/2015)، حيث أكد أولوية قيام الحكومة بإصلاحات هيكلية في مجالات عديدة، على غرار المجال البنكي. ويبقى حزب الاتحاد الوطني الحر مكتفياً بحضوره في الحكومة، من دون إبداء مواقف أو مطالب محددة، خصوصاً وأنه يفتقر إلى توجهات سياسية أو اقتصادية واضحة.
وتظل الحسابات الداخلية لكل حزب من الرباعي الحكومي مهمة ومؤثرة على أداء حكومةٍ
شهدت صعوبات حادة في أثناء تشكيلها وتواجه صعوبات اقتصادية حادة مع فشلٍ لا يُنكر في أداء قطاعات كثيرة، انعكس على تراجع نسبة النمو العامة، ما يطرح السؤال بشأن مستقبلها وقدرتها على الاستمرارية، وعلى الرغم مما يتوارد من أنباء عن إمكانية حصول تعديل حكومي في الأيام المقبلة، يشمل مواقع وزارية مختلفة (لن يشمل بعض الوزارات المهمة الخاضعة لهيمنة بعض الأحزاب)، فإن وضعية رئيس الحكومة الحبيب الصيد تبدو حرجة، فهو كمن يمشي على حبل معلق، من حيث أن عليه إرضاء أطراف مختلفة، وذات مطالب متناقضة أحياناً، بالإضافة الى محدودية نفوذه الفعلي (على الرغم من الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها دستورياً)، وهي مفارقة غريبة، تعود جذورها إلى طبيعة التركيبة الحزبية نفسها، وإلى الضغوط التي يمارسها أصحاب النفوذ في حزب نداء تونس الذي يرغب في ممارسة السلطة، على أن لا يدفع ثمن الفشل الحكومي. ولأن الحسابات تغلب على المشهد السياسي التونسي عامة، حيث تعاني المعارضة من التشرذم ومن التناقضات الحادة والصراعات الجانبية (وهو ما تجسد في فشل دعوتها إلى التحرك الشعبي ضد قانون المصالحة الاقتصادية)، فإن الحكومة ليست في وضع أفضل، على الرغم مما توفر لها من دعم برلماني وإعلامي، الأمر الذي يستوجب فتح الباب، وبصورة عاجلة، أمام حوارات وطنية، تشمل الجميع من دون إقصاء لوضع الخطوط العريضة المتعلقة بالقضايا الكبرى، وعدم اللجوء إلى أسلوب الهروب إلى الأمام، أو الاستناد إلى القبضة الصلبة. وهي أساليب عفا عليها الزمن، ولن تقدم حلاً للمشكلات، بقدر ما تؤبدها وتجعلها أشد استعصاء بمرور الوقت.


B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.