24 سبتمبر 2020
حروب الشرق الأوسط، اللا نصر، واللا هزيمة
منذ توقفت الحروب في إطار الصراع العربي - الإسرائيلي، والتي كانت آخر جولاتها حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وانتهت بمعاهدة سلام مصرية - إسرائيلية، وأخرى أردنية - إسرائيلية، واستكمال العدو الإسرائيلي احتلاله كامل أرض فلسطين التاريخية، من البحر إلى النهر، مع فرض حصار إرهابي على قطاع غزة، بالإضافة إلى استمرار احتلال هضبة الجولان السورية، ومزارع شبعا اللبنانية، والأهم إيجاد حالة من "القابلية للتطبيع"، إذا جاز التعبير، لدى نظمٍ عربيةٍ كثيرة. منذ انقشع غبار تلك المعارك في آخر الحروب في أكتوبر 1973، على حد تعبير أنور السادات الذي منح نفسه لقب بطل الحرب والسلام، لم تهدأ المنطقة، ولم تنعم بسلام من أي نوع، لكنها دخلت في دوامةٍ من حروبٍ جديدةٍ ذات طابع خاص، حروب عبثية، لا أحد يستطيع أن يعرف لها أسباباً موضوعية أو مشروعة؟
بدأت باشتعال فتيل الحرب الأهلية اللبنانية في أبريل/ نيسان 1975، ودخلت منظمة التحرير الفلسطينية بتشكيلاتها العسكرية، والتي كانت في لبنان منذ انتقلت من الأردن في أعقاب أحداث "أيلول الأسود" في 1970، دخلت طرفا في تلك الحرب، وسرعان ما تطورت الأحداث، بدخول القوات السورية لبنان في 1976. وهكذا، اختلط الحابل بالنابل في لبنان، ما أتاح الفرصة للعدو الإسرائيلي في يونيو/ حزيران 1982، للقيام باجتياح جنوب لبنان، ثم وصولاً إلى العاصمة بيروت، وكانت المرة الأولى في تاريخ الصراع التي يدخل فيها العدو الإسرائيلي عاصمة عربية، بدعوى مطاردة منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها المسلحة المتحالفة مع أطراف لبنانية. وتم ذلك بموافقة أميركية، وتواطؤ أطراف لبنانية أخرى، وصمت سورية التي لم تهتم قواتها سوى بتأمين طريق بيروت – دمشق. وتدخلت أميركا بعد ذلك، بغطاءٍ من الأمم المتحدة، لينسحب العدو الإسرائيلي إلى الجنوب اللبناني، بإشراف مبعوث دولي، هو فيليب حبيب، وبغطاء من حليف لبناني، واستقر بها المقام في الأراضي اللبنانية، حتى انسحبت بقرار من جانب واحد في العام 2000، بينما بقيت القوات السورية في لبنان، وليس على جبهة الجولان المحتل، وكانت قد شرعنت هذا الوجود عربياً في مؤتمر الطائف 1989، ثم اضطرت للانسحاب، تحت ضغوط دولية في العام 2005. وبالطبع، لم يكن هناك نصر، ولا هزيمة، ولكن تخبط وتواطؤ وعمالة.
وفي إطار ما كان يُعرف بالصراع العربي - الإسرائيلي، والذي تحوّل على يد النظم العربية الحديثة إلى المشكلة الفلسطينية – الإسرائيلية، القابلة للحل مع بعض التنازلات التطبيعية، سعياً إلى سلام دافئ مع "الجار الإسرائيلي"، في هذا الإطار، قام ذلك العدو الذي يحاول بعضهم بتحويله إلى مجرد جار، أو على أسوأ الأحوال، إلى عدو سابق، قام بسلسلة من الحروب العدوانية المدمرة، وغير المتكافئة بطبيعة الحال، على الرغم مما بذلته العناصر المقاومة من جهد بطولي على أي مقياس، مارس العدو، خلال تلك الحروب، كل أنواع التدمير والخراب، من دون تمييز بين طفل وامرأة وشاب وعجوز ومدني ومقاتل وثكنة عسكرية ودار عبادة أو مستشفى. جرى ذلك في العام 2006 ضد لبنان. وفي الأعوام 2008 و2012 و2014، ضد قطاع غزة، ولازال العدو يمارس أعمال الحصار والقتل المتفرق، سواء في قطاع غزة، أو في الضفة الغربية والقدس المحتلة. حروب إرهابية، لكنها أيضا حروبٌ بلا نصر ولا هزيمة، ولكن صمت وتواطؤ، وربما توافق عربي.
إذا تركنا ما كانت تُعرف بالقضية المركزية الأولى، وهي القضية الفلسطينية، جوهر ما كان
يُعرف بالصراع العربي - الإسرائيلي، وهي بحق أحد المجالات الحيوية للأمة العربية، واتجهنا شرقاً، إلى ما كنا نُطلق عليه البوابة الشرقية للأمة العربية، أي العراق والخليج، وهو المجال الحيوي الثاني لتلك الأمة المفترضة، فبينما كانت الحروب والصراعات العبثية تدور في منطقة الطوق المحيط بفلسطين المحتلة، كانت هناك حروب وصراعات عبثية أخرى تدور في منطقة البوابة الشرقية للأمة العربية، حيث اندلعت الحرب العراقية - الإيرانية في سبتمبر/ أيلول، لتتوقف رحاها بعد ما يقرب من ثماني سنوات في أغسطس/ آب 1988، بعد أن أتت على الحرث والغرس، والأخضر واليابس، وخلفت ملايين القتلى والمصابين والمعاقين والمشردين، توقفت أيضاً بلا نصر، ولا هزيمة. ولم يمض على توقفها عامان، حتى قام صدام حسين، عندما كان على رأس السلطة في العراق، بأحمق وأسخف حرب عبثية، وهي غزو دولة الكويت في أغسطس/ آب 1990، ليدقّ مسماراً أخيراً في نعش ما كان يسمى الأمن القومي العربي. وليفتح الباب واسعاً للتدخل الأميركي، المدعوم غربياً، والمرحب به إسرائيلياً، ولتقود أميركا في يناير/ كانون الأول 1991 عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت العربية من الاحتلال العراقي العربي، وذلك بعد أكبر عملية حشد عسكري دولي على أرض العربية السعودية. وأيضاً، لا نصر ولا هزيمة، بل دمار وخراب لأرضٍ عربية، ودماء وأشلاء عربية.
واستمرت الحروب في شرقنا الأوسط، وتطورت، وحملت أسماء وعناوين كثيرة، من الحرب العالمية ضد الإرهاب التي أعلنها بوش الابن، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، وبدأها بغزو أفغانستان إلى الصدمة والرعب، للتخلص من نظام صدام واحتلال العراق في 2003، وانتهاءً، أخيراً، وربما ليس آخراً، بالتحالف الدولي للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سورية والعراق في عهد باراك أوباما، مع إشعال مجموعة حروبٍ أخرى منخفضة المستوى، كالعمليات العسكرية في اليمن، وفي ليبيا، وعمليات مطاردة تنظيمات فرعية لداعش، في مناطق أخرى، مثل شمال سيناء في مصر، وبعض مناطق تونس.
إلى متى ستبقى الحروب تشتعل بأشكال مختلفةٍ في أرجاء عالمنا العربي، وفي قلب الشرق الأوسط. حروب مستمرة، لا ناتج لها سوى الخراب والدمار لشعوبنا التي تعيش في دوامة تلك الحروب، حروب اللانصر واللاهزيمة.
من الذي يُشعل كل تلك الحروب؟ ومن يتواطأ معه؟ ولماذا؟ وإلى متى؟ لا أحد يملك الإجابة على كل تلك الأسئلة سوى شعوب الشرق الأوسط نفسها، وفي القلب منها الشعوب العربية، إذا أفاقت، وأدركت أن الخلاص من تلك الدوامة المدمرة لن يتأتى إلا بامتلاكها إرادتها الحرّة.
بدأت باشتعال فتيل الحرب الأهلية اللبنانية في أبريل/ نيسان 1975، ودخلت منظمة التحرير الفلسطينية بتشكيلاتها العسكرية، والتي كانت في لبنان منذ انتقلت من الأردن في أعقاب أحداث "أيلول الأسود" في 1970، دخلت طرفا في تلك الحرب، وسرعان ما تطورت الأحداث، بدخول القوات السورية لبنان في 1976. وهكذا، اختلط الحابل بالنابل في لبنان، ما أتاح الفرصة للعدو الإسرائيلي في يونيو/ حزيران 1982، للقيام باجتياح جنوب لبنان، ثم وصولاً إلى العاصمة بيروت، وكانت المرة الأولى في تاريخ الصراع التي يدخل فيها العدو الإسرائيلي عاصمة عربية، بدعوى مطاردة منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها المسلحة المتحالفة مع أطراف لبنانية. وتم ذلك بموافقة أميركية، وتواطؤ أطراف لبنانية أخرى، وصمت سورية التي لم تهتم قواتها سوى بتأمين طريق بيروت – دمشق. وتدخلت أميركا بعد ذلك، بغطاءٍ من الأمم المتحدة، لينسحب العدو الإسرائيلي إلى الجنوب اللبناني، بإشراف مبعوث دولي، هو فيليب حبيب، وبغطاء من حليف لبناني، واستقر بها المقام في الأراضي اللبنانية، حتى انسحبت بقرار من جانب واحد في العام 2000، بينما بقيت القوات السورية في لبنان، وليس على جبهة الجولان المحتل، وكانت قد شرعنت هذا الوجود عربياً في مؤتمر الطائف 1989، ثم اضطرت للانسحاب، تحت ضغوط دولية في العام 2005. وبالطبع، لم يكن هناك نصر، ولا هزيمة، ولكن تخبط وتواطؤ وعمالة.
وفي إطار ما كان يُعرف بالصراع العربي - الإسرائيلي، والذي تحوّل على يد النظم العربية الحديثة إلى المشكلة الفلسطينية – الإسرائيلية، القابلة للحل مع بعض التنازلات التطبيعية، سعياً إلى سلام دافئ مع "الجار الإسرائيلي"، في هذا الإطار، قام ذلك العدو الذي يحاول بعضهم بتحويله إلى مجرد جار، أو على أسوأ الأحوال، إلى عدو سابق، قام بسلسلة من الحروب العدوانية المدمرة، وغير المتكافئة بطبيعة الحال، على الرغم مما بذلته العناصر المقاومة من جهد بطولي على أي مقياس، مارس العدو، خلال تلك الحروب، كل أنواع التدمير والخراب، من دون تمييز بين طفل وامرأة وشاب وعجوز ومدني ومقاتل وثكنة عسكرية ودار عبادة أو مستشفى. جرى ذلك في العام 2006 ضد لبنان. وفي الأعوام 2008 و2012 و2014، ضد قطاع غزة، ولازال العدو يمارس أعمال الحصار والقتل المتفرق، سواء في قطاع غزة، أو في الضفة الغربية والقدس المحتلة. حروب إرهابية، لكنها أيضا حروبٌ بلا نصر ولا هزيمة، ولكن صمت وتواطؤ، وربما توافق عربي.
إذا تركنا ما كانت تُعرف بالقضية المركزية الأولى، وهي القضية الفلسطينية، جوهر ما كان
واستمرت الحروب في شرقنا الأوسط، وتطورت، وحملت أسماء وعناوين كثيرة، من الحرب العالمية ضد الإرهاب التي أعلنها بوش الابن، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، وبدأها بغزو أفغانستان إلى الصدمة والرعب، للتخلص من نظام صدام واحتلال العراق في 2003، وانتهاءً، أخيراً، وربما ليس آخراً، بالتحالف الدولي للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سورية والعراق في عهد باراك أوباما، مع إشعال مجموعة حروبٍ أخرى منخفضة المستوى، كالعمليات العسكرية في اليمن، وفي ليبيا، وعمليات مطاردة تنظيمات فرعية لداعش، في مناطق أخرى، مثل شمال سيناء في مصر، وبعض مناطق تونس.
إلى متى ستبقى الحروب تشتعل بأشكال مختلفةٍ في أرجاء عالمنا العربي، وفي قلب الشرق الأوسط. حروب مستمرة، لا ناتج لها سوى الخراب والدمار لشعوبنا التي تعيش في دوامة تلك الحروب، حروب اللانصر واللاهزيمة.
من الذي يُشعل كل تلك الحروب؟ ومن يتواطأ معه؟ ولماذا؟ وإلى متى؟ لا أحد يملك الإجابة على كل تلك الأسئلة سوى شعوب الشرق الأوسط نفسها، وفي القلب منها الشعوب العربية، إذا أفاقت، وأدركت أن الخلاص من تلك الدوامة المدمرة لن يتأتى إلا بامتلاكها إرادتها الحرّة.