وظهرت آخر فصول الجدل، في مذكرات وزير الداخلية السابق والعضو السابق في الاستخبارات الجزائرية، دحو ولد قابلية، الذي سبق أن أعلن أنه بصدد كتابة مذكراته، التي سيكشف فيها الكثير من الأسرار المتعلقة بأحداث تاريخية وسياسية، كما سيكشف عن مفاجآت كثيرة، تحديداً تلك التي شهدتها الجزائر عشية الاستقلال (5 يوليو/تموز 1962)، وما تلاها من خلافات بين رفاق الكفاح المسلح.
ردّ ولد قابلية بعنف على التصريحات الأخيرة للمرشح الرئاسي السابق، سعيد سعدي، بالاتهامات التي وجّهها إلى شخصيات تاريخية كمصالي الحاج والرئيسين السابقين أحمد بن بلة وعلي كافي. ولفت ولد قابلية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التصريحات التي اتُهم فيها مصالي الحاج بخيانة الثورة، وأحمد بن بلة بالعمالة لمصر، ليست سوى خزعبلات سياسية، لأن تخوين بعض الشخصيات التاريخية والثورية، يعود إلى عدم إدراك السياسيين حقائق تاريخية". وأشار إلى أنه "يحتفظ بوثائق أصلية، تفنّد الكثير من الوقائع التي جاءت في مذكرات بعض الشخصيات".
اقرأ أيضاً: إعلان الجزائر: اتفاق على تنسيق عربي لمحاربة الإرهاب
وكان وزير الداخلية السابق والقيادي في جهاز الاستخبارات الجزائرية في مرحلة ثورة التحرير، يردّ على تصريحات سعدي، التي اتّهم فيها بن بلة، الذي حكم البلاد بعد الاستقلال، بـ"العمالة لفتحي الديب قائد الاستخبارات المصرية، خلال ثورة الجزائر وبعد الاستقلال". وقال سعدي إنه "يستند على معطيات تاريخية تتعلق بإقامة بن بلة لفترة في مصر، وتوجّهاته الناصرية بعهد الاستقلال".
واتهم سعدي أيضاً كافي، الذي حكم البلاد في الفترة بين يونيو/حزيران 1992 ويناير/كانون الثاني 1995، بـ"الوقوف وراء مقتل عبان رمضان، أحد أبرز قادة الثورة الجزائرية". كما اتهمه بـ"الحقد على سكان منطقة القبائل الأمازيغ (البربر)".
ووفقاً لتصريحات سعدي، فقد حرّكت السلطات القضائية في الجزائر، ملاحقة قضائية ضده، بتهمة "إهانة رئيسي جمهورية سابقين وشخصية تاريخية في الجزائر". وأمر النائب العام لمحكمة سيدي أمحمد، وسط العاصمة الجزائرية، بفتح تحقيق قضائي ضد سعدي.
وتثير قضايا التاريخ والذاكرة السياسية في الجزائر رعباً سياسياً وجدلاً إعلامياً كبيراً، منذ عقد من الزمن، مع كل إصدار لمذكرات شخصيات تاريخية وسياسية، وتكون متبوعة بمزيد من الجدل والحقائق، التي تدفع باتجاه مراجعة الكثير من المواقف، وتقييم مسارات تاريخية شخصية أو عامة.
وبرأي الباحث في القضايا التاريخية والسياسية، أحسن خلاص، فإن "مسألة كثافة الجدل السياسي والاعلامي في الجزائر بشأن الذاكرة التاريخية، مرتبطة بالكبت السياسي الذي كانت تفرضه السلطة منذ الاستقلال، واحتكارها للرواية الرسمية للتاريخ. وهذا ما سمح بنشوء جيل كامل يقرأ الرواية نفسها، ولا يبدو مستعداً لفهم روايات أخرى".
وأضاف خلاص في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "من الطبيعي أن هذا الجيل الذي نشأ على حقائق معينة، سيُصاب بالصدمة في حال طُرحت روايات وقراءات أخرى للتاريخ في المشهد العام. وسيدفع هذا إلى إعادة مراجعة الموقف من شخصيات وأحداث كاملة".
وبرأي خلاص، فإن "المشكلة تتعدّى مسألة النقاش النظري الأكاديمي، حتى الحوار الاجتماعي والسياسي إلى توظيف التاريخ كأداة للحرب، التي لم تضع أوزارها منذ عام 1956، بين رفاق الكفاح المسلح في الجزائر، رغم الهدنة التي تلت مرحلة الاستقلال".
اقرأ أيضاً: حوارا ليبيا في المغرب والجزائر "متوازيان"