حروب الأعلام وطوزخورماتو في العراق... هل ينتهي "التحالف المقدس"؟

24 نوفمبر 2015
بعد دخول عناصر البشمركة مدينة سنجار(صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -
تختزل الصور وتسجيلات الفيديو المتبادلة على وسائل الإعلام العراقية ومواقع التواصل الاجتماعي، لعملية إحراق العلمَين الرسميَّين العراقي والكردي في كل من كربلاء والنجف وأربيل ودهوك، مدى تأزم الوضع بين الكتل السياسية الكردية ونظيرتها الشيعية، ما يهدّد بانفراط عقد التحالف "الكلاسيكي" بين الطرفَين منذ احتلال العراق عام 2003 وتشكيل العملية السياسية الجديدة، حتى الآن. وسرعان ما تسلّل هذا الخلاف إلى الشارع، وسط تقارب بين الأكراد والكتل السياسية السنية، والذي بدا أكثر وضوحاً من الفترات السابقة.

أثار هذا التقارب مخاوف الأحزاب السياسية الشيعية من خسارتها التحالف مع الكتل الكردية، وبالتالي تغيير شكل وصورة التشكيلة الحكومية في البلاد، إذ لطالما عُرف الأكراد بأنّهم "بيضة القبان"، في ترجيح كفة التحالف الوطني لمنصب رئاسة الوزراء بعد كل انتخابات برلمانية شهدتها البلاد منذ العام 2005 لغاية اليوم.

وتعود بوادر الخلاف، إلى قيام مليشيات "الحشد الشعبي" بالاعتداء على عائلات كردية في مدينة طوزخورماتو المختلطة، واختطاف وقتل طبيب كردي يدعى محمد عبد الخالق، لتندلع اشتباكات بين الطرفين، أسفرت عن مقتل سبعة أفراد من "الحشد الشعبي" وعنصرَين من البشمركة الكردية وجرح آخرين.

عمدت بعدها المليشيات إلى منع دخول الأكراد إلى بغداد، خصوصاً التجار، ما دفع إقليم كردستان إلى المعاملة بالمثل، لتشكّل عملية تحرير سنجار من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من قبل البشمركة وإعلان رئيس الإقليم مسعود البرزاني، عن أنّها باتت جزءا من الإقليم وأنّ الحشد لا مكان له على أراضي كردستان، ذروة الأزمة.

وفي ظلّ توسّع حدّة المناوشات الإعلامية بين النواب الشيعة والأكراد في البرلمان، قامت مليشيا "بدر" و"العصائب" بإحراق العلم الكردي الأصفر، علم كردستان الرسمي، ورسم صور لقادة وزعماء تاريخيين لأكراد وإهانتها، موثّقين هذه الوقائع من خلال تسجيل مصوّر ونشره عبر مواقع التواصل، ما دفع شبانا غاضبين أكرادا إلى إحراق العلم العراقي والزيّ العربي (الدشداشة) وترديد شعارات عنصرية ضد العرب.

أثار الردّ الكردي غضباً واسعاً بين أطياف العراقيين المختلفة، وطاول السياسيين الذين أطلقوا تصريحات متشنجة ونارية بيّنت مدى سوء العلاقة السياسية الشيعية ـ الكردية. وقال النائب خالد شواني، المتحدث باسم الرئيس العراقي الكردي، فؤاد معصوم، إنّ "الشيعة عندما كانوا متحالفين مع الأكراد استطاعوا أن يحكموا العراق، ويحصلوا على منصب رئيس الوزراء مدى الحياة"، مضيفاً، أنّ "الشيعة استطاعوا أن يكونوا قوة سياسية مؤثرة بفضل التحالف مع الأكراد"، في تلويح ليس الأول من نوعه إلى فضّ هذا التحالف.

ولا تزال مشاكل بغداد وأربيل مستمرة، أبرز عناوينها النفط والمناطق المتنازع عليها وصلاحيات الإقليم وإصرار بغداد على وضع سياسة الإقليم مع دول العالم في يدها، وهو ما يرفضه الأكراد ويصفون سياسة العراق الخارجية بـ"الفاشلة".

اقرأ أيضاً سجون "الحشد" في العراق: مراكز للخطف والقتل والابتزاز

استفزّت تصريحات القيادي الكردي السياسيين من التحالف الوطني، إذ ردّ النائب رزاق الحيدري، في بيان أمس الأوّل الأحد، قائلاً إن "وصول التحالف الوطني الشيعي إلى الحكم وإدارة شؤون البلاد بفضل الأغلبية التي يتمتعون بها في المجتمع العراقي وليس بفضل الأكراد"، مضيفاً، "حصول الأكراد على الامتيازات والقوانين التي تصب في مصلحتهم، هو بفضل الشيعة، الكتلة الأكبر في المجتمع".

في هذا السياق، يجمع مراقبون على أنّ "العلاقة بين الطرفَين تمرّ بأزمة كبيرة منذ نحو عامين وتزداد وتيرتها يوماً بعد آخر"، لافتين إلى أن الأكراد وجدوا في السنّة حليفاً بديلاً هو الأفضل بالنسبة لهم، وهو ما ستعززه الفترة المقبلة.

ويقول المحلّل السياسي، جاسم العبيدي لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأكراد فتحوا أبواب الإقليم على مصراعَيها أمام النازحين السنّة الذين هربوا من سيطرة داعش إلى مناطقهم، بالإضافة إلى النازحين من عنف المليشيات الشيعية في بغداد وديالى".

ويضيف العبيدي، أنّ هذه المبادرة "كانت واضحة ومفادها أنّ الأكراد يتعاملون بإنسانية مع المكوّن السني، وهي المعاملة التي فقدوها من مكون عربي آخر"، لافتاً إلى أنّ "السنّة، سواء كانوا مواطنين أو سياسيين، أصبحوا يدركون تماماً أنّ الأكراد حليف يمكن الاطمئنان في التعاون معه لمستقبل أفضل للطرفين".

من جانبه، يعتبر الخبير العسكري، العقيد المتقاعد ضياء العزاوي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الخلاف بين المليشيات الشيعية والبشمركة الكردية، وتطوّره إلى اقتتال وسقوط ضحايا، فضح العلاقة السيئة بين الطيفَين الكردي والشيعي، التي حاول سياسيو الطرفين تغطيتها بالتصريحات، لكنّها موجودة منذ فترة طويلة".

ويضيف الغزاوي أنّ "الأكراد يملكون عقلية عسكرية وسياسية جيدة، وهم لا يريدون فتح جبهة مع المليشيات الشيعية، لأنهم منشغلون بالقتال مع داعش"، مبيّناً أن "المليشيات بعدما فرضت عليها قوات التحالف عدم المشاركة في قتال داعش في الأنبار، بحثت عن فرض نفسها في مناطق أخرى". ويبيّن العقيد أنّ "السنّة أدخلوا المليشيات الشيعية إلى مناطقهم أثناء العمليات العسكرية ضد داعش، ففتكت هذه الأخيرة بالمواطنين السنّة، أمّا البشمركة فلم ترتكب فظائع، وكانت تهتم فقط في قتال التنظيم، وتحرير المناطق، والحفاظ على حياة المدنيين".

ويرى العزاوي أن مستقبل التحالفات يكشف وجود تغييرات كبيرة على الخارطة السياسية العراقية، مشيراً إلى أن "السنّة بات مؤكَّداً بحثُهم عن إقليم يحتويهم، وهو ما تشير التوقعات إلى حصوله في الأنبار بعد تحريرها من داعش"، مشدداً على "ضرورة التنسيق الذي سيحصل بين الطرفين الكردي والسني، وهو ما تؤكده قوة العلاقات بين سياسيين وزعماء قبليين سنّة بالأكراد، وتبنّي الأكراد اجتماعاتهم وإقامتهم في الإقليم، ما سيفقد الشيعة حليفاً قوياً ساعدهم في حكم البلاد منذ سقوطها عام 2003، بالإضافة إلى أنهم أساساً يفقدون الحليف السنّي".

اقرأ أيضاً سنجار ما بعد "داعش": تحديات استعادة الحياة ومنع الانتقام

المساهمون