حرب مفردات في الشمال: العنصرية تدافع عن نفسها

26 مايو 2016
(مظاهرة مضادة للعنصرية في كوبنهاغن، 2015، تصوير: فريا موراليس)
+ الخط -

في السويد، تجري منذ سنوات ما أطلق عليها عملية "تصحيح وتدقيق ثقافي"، وفيها شُطبت وعُدّلت عبارات كثيرة في أدب البلاد وثقافتها المكتوبة والمحكية، حيث جرت غربلة مفردات كثيرة، كالزنوج أو "العبيد". جيرانهم الدنماركيون، وخصوصاً طبقة من الكتّاب والمثقفين، جنّ جنونهم، متهمين السويد بأنها تقوم بعملية "تقييد لحرية التعبير".

في اللغات الإسكندنافية، على الأقل الدنماركية والنرويجية، لا تلفظ الجيم إن كانت منفردة وبالكاد تسمع الراء في آخر الكلمة أو في وسطها، لذا وحتى أواسط الثمانينيات من القرن الماضي كان تعبير "نييا" (neger) يستخدم كتعبير عنصري مثلما كان الأميركيون يستخدمون نيغر (nigger) في السياق عينه، وبعض الولايات الجنوبية تستخدمه مثلما تفعل إسكندنافيا الجديدة اليوم.

سورن إسبرسن، مقرّر شؤون لجنة السياسات الخارجية في البرلمان الدنماركي، شخصية مثيرة للجدل، وهو الذي لا يُخفي ولاءه للصهيونية، وقع في مطبّ علني، أخيراً، وهو يستخدم مفردة "هذا الزنجي" متحدثاً عن باراك أوباما.

مفردة لم تأت في سياق وصف لون أو عرق، بل في استدلالات أخرى للمعنى المتعالي الذي كان يمارس بتعبير أو آخر تحت سقف "نيغر" كحاطٍ من قدر السود وقيمتهم سواء في أميركا أو غيرها.

ييبا كوفود، وهو عضو برلمان شاب عن حزب اجتماعي ديمقراطي، تصدّى لإسبرسن البالغ 63 سنة. فاندلع جدلٌ لغوي، رُكنت الثقافة جانباً وغاص مثقفون في المعاجم وما تعنيه "نيغر". وكما في واقعنا العربي، تصعد اتهامات بالخيانة والعمالة في الغرب لمن يوضّح الصورة، فبدل لوم هذا السياسي "العتيق"، راحوا يلومون الشاب كوفود لأنه أثار انتباه الأميركيين. مثقفون يردّون: القول بأن فلاناً أبيض اللون يمكن أيضاً أن يحمل عنصرية!

بكل الأحوال، لم تُسعف إسبرسن "براعته الصهيونية" في تفادي الأسوأ. فقد كان مقرَّراً أن يكون في واشنطن على رأس لجنة الشؤون الخارجية في الخريف القادم للقاءات تشمل أوباما، فألغى رحلته.

إسبرسن، مثله مثل "مثقفي اليمين الشعبوي المتطرّف"، لا يملكون في قواميس ثقافتهم السياسية الاعتذار عن شيء. لقد سبق أن قال موينز كامر: "الآباء المسلمون يغتصبون بناتهم"، ثارت عليه بعض وسائل الإعلام والقضاء، لكنه وجد حماية سياسية باسم حرية التعبير.

يقول إسبرسن في تصريح أخير: "لماذا عليّ أن أعتذر؟ ولمن أعتذر؟ لباراك أوباما؟ أنا لا أحبذ استخدام المفردة للنظر بدونية للآخرين. كالقول مثلاً: الكلّ في أفريقيا نيغر. إن مفردة نييا هي جزء من أعوام حياتي الـ63 ولن تتغيّر".

المشكلة ليست هنا فحسب، فحزبه دائم الاستخدام لصورة نموذجية أخرى تبيّن من هو الصحيح في هذه البشرية. ففي حملته الأخيرة من خلال "حملة الصور" لجذب المزيد من الناخبين والأعضاء، بدت بالنسبة له صورة العائلة الدنماركية "بيضاء كالثلج". قام المنتقدون بشن حملة مضادة بسلسلة صور أخرى تعبّر عن التوزّع الإثني الصحيح في المجتمع.

لكن، هل يأتي زمن نُقلِع فيه جميعنا عن لغة الاستعلائية ضد بعضنا بعضاً؟ أمر يخطر ببالي حين أراجع مفردات نستخدمها حتى نحن العرب، رغم أننا نصرخ كثيراً من العنصرية الممارسة بحقنا. قبل حوالي الشهرين سألت شابة عائدة من الخليل في فلسطين: ما اسم هذه؟ وكانت تشير إلى طربوش شوكلاتة محشو بالقشطة المخفوقة والمسمّى عندنا منذ أن يحبو الطفل: رأس العبد!

هي تعرف ثقافتنا وعاشت بيننا وتعلمت لغتنا. لكنها مثلي لديها مشكلة مع متناقضات النفاق والازدواجية. ورغم انتهاء العبودية، نظرياً، وأن البشر سواسية، ما زال بعضنا يستخدم هذه التسميات.

التوظيف اللغوي الذي يحطّ من قيمة الآخرين، رغم أن الجميع في كل البرامج العلمية يقولون عن أصولنا الواحدة كبشر، هو ليس حكراً على الغرب، لدينا منه أمراض مثلما لدى غيرنا.


المساهمون