حرب في انتظار "القيامة"

09 يناير 2015

داعش تنتظر حشدا يحمل 80 راية

+ الخط -
عندما سقطت بغداد عام 2003، تعالت أصوات تتحدث عن نبوءات إسرائيلية، تعتقد أن زوال دولة إسرائيل ستكون على يد جيش قادم من العراق، وأن احتلال الولايات المتحدة الأميركية بغداد جاء لاعتقاد الإسرائيليين أنهم إذا تركوا الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، وشأنه، فإن جيشه ربما هو من سيحقق النبوءة.. هذا ما قيل في حينه، لكن لتأصيل النبوءة إسلاميًا ما يدعمها.
تصنع "داعش"، اليوم، بالأفكار نفسها، ما صنعته إسرائيل بالعراق، أي انطلاق داعش في قتالها من فكرة عقدية، تستند إلى نبوءة تدعى "دابق" أو الأعماق، خلالها ستهزم فيه داعش الروم وتبيد جيشهم، لتبدأ فتوحاتها في أوروبا. وعلى الرغم من رفض سياسي وإعلامي للحرب الدينية في الإقليم، إلا أن هذه الحرب، بصفتها الدينية، حاضرة حضوراً عميقاً في الذهنية الجمعية، لجميع أطراف المعادلة "السنة والشيعة" من جهة، والغرب من جهة أخرى.
يستدعي الجميع، اليوم، فكرته في مشهد عقدي صرف، لا يريد أن يعترف به السياسيون، خشية منهم على ما يعنيه ذلك من مخاطر. لكن، ونحن نتحدث عن المسجد الأقصى، والصراع على القدس. أليس الاحتلال نفسه استند على عقيدة يهودية تلموديّة. قد تذكرون، عندما بدأ الرئيس الأميركي، جورج بوش، حربه في العراق، استند إلى "الدافع الديني". كما تظهر صور الجنود الأميركان، وهم يعدون أنفسهم روحياً للمعركة، لكنهم ليسوا وحدهم يفعلون ذلك. داعش كذلك تفعل.
عشية الحرب في العراق، أطلق جورج بوش رؤيته لما يجري قال: إنها "حرب صليبية"، وإنها حرب للقضاء على صدام حسين، نبوخذ نصر بابل، الذي يهدد "إسرائيل"، ويعرقل عودة المسيح. وقد زعم، وقتها، أن الله أوحى له بأن يغزو العراق. سرعان ما التقطت الدولة الإسلامية الروايات الدينية، المستندة إلى كلمة واحدة فقط "دابق". هكذا بدأت الدولة تُنزل "دابق" في أعماق الثورة السوري.
تتحدث النبوءة عن حشد من الكفار، يرفع 80 راية يواجه جيش المسلمين عند بلدة دابق السورية، في ملحمة يقتل فيها مسلمون عديدون، لكنهم، في نهاية المطاف، ينتصرون قبل أن
تحل القيامة. من هنا، فإن الرقم 80 هو المنتظر لديهم، وهو الحشد الصليبي الذي يجب أن يكون على ثمانين راية، ينزل في دابق، أو الأعماق. وهو رقم تحدثت عنه أحاديث نبوية.
هذه النبوءة القديمة للمسلمين السنة، الواردة في أحاديث ثابتة، للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، أصبحت بمثابة نداء تعبوي للجهاديين في تنظيم الدولة، في العراق وسورية، خصوصا منذ أن استولوا على دابق في أغسطس/آب الماضي. وهي من القرى التاريخية التابعة لناحية اخترين، شمال مدينة حلب على مسافة 45 كم، وتبعد عن الحدود التركية حوالى 15 كم تقريباً. يوجد فيها قبر سليمان بن عبد الملك والتابعي عبد الله بن مسافع. وقعت فيها معركة عظيمة بين العثمانيين، بقيادة سليم الأول، والمماليك، بقيادة قنصوه الغوري، عام 1516. انتصر فيها العثمانيون، ومنها دخلوا الوطن العربي، حيث دام حكمهم له أكثر من 500 عام، بينما هذه البلدة، بحد ذاتها، لا قيمة استراتيجية تذكر لها، مقارنة بالمدن الاستراتيجية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، مثل الرقة في سورية أو الموصل في العراق. فهي تقع على سهل واسع وخصيب، وتشتهر بالزراعة وخصوصاً الحبوب.
ويؤمن مجاهدو الدولة بأن تلك النبوءة تتحدث عنهم. ونظرة سريعة في صفحات التواصل الاجتماعي تكشف عن حجم التأييد الواسع للنبوءة بين مؤيدي تنظيم الدولة الإسلامية، فقد باتت دابق رمزا للمعركة ضد الصليبيين الجدد.
وعموماً، ليس هذا التوجه جديداً على "الدولة الإسلامية"، فمؤسسها، أبو مصعب الزرقاوي، التقط الحكاية مبكراً، وبدأ ترويجها. وقبل أن يقتل الزرقاوي في غارة أميركية في عام 2006، وقبل سنوات من تحول تنظيمه إلى "تنظيم الدولة"، كان يتحدث عن المعركة الحاسمة في دابق. وقال مرة: "ها هي الشرارة انقدحت في العراق، وسيتعاظم أوارها، بإذن الله، حتى تحرق جيوش الصليب في دابق". وعندما استولى تنظيم الدولة على أجزاء واسعة في العراق، وأعلن زعيمه، أبا بكر البغدادي، "خليفة"، استند التنظيم، أيضاً، إلى النبوءة نفسها، لحشد أنصار لقضيته. وقال النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، إن "خلافة على منهاج النبوة" ستظهر. وقبل إعلان البغدادي خليفة بوقت قصير، قال المتحدث باسم الدولة، أبو محمد العدناني، إن "وعد الله" آت، مشيراً إلى الحديث النبوي السابق.
الهواية الجديدة لهؤلاء هي في إحصاء عدد الدول التي تنضم الى التحالف، الذي بلغ الآن 60 دولة، في انتظار أن يصل العدد إلى 80 دولة، لتكون هناك 80 راية، وفقا للنبوءة. وكلما زاد الحديث عن الحاجة إلى قوات برية، زادت قناعة مؤيدي "الدولة" باعتبارها إشارات على أن المعركة المنتظرة هي ما يجري الإعداد لها اليوم.
لكن، ليس السنة من يمتلكون روايتهم فقط، وليس الغرب كذلك، هناك الشيعة. "قدح من درعا الشرر، وخصم مهدينا ظهر، ومن حرستا ننتظر أول علامة.. زينب اليوم بخطر، وسكينة مرقدها اندثر، يا أم رقية باكر تقوم القيامة… وباكر الجيش المنتظر يهتف يا حيدر". أغنية يرددها الشيعة، اليوم، في انتظار الحدث الموعود. نزول مهديهم المنتظر.
هي ذريعة ألبست لبوس "لبيك يا زينب"، ونسجت في نشيد، ينشده الشيعة اليوم، منتشراً على موقع "يوتيوب". وهذه هي الطريقة التي يتم فيها التعبئة الشيعية، ليقبل الشباب على الموت في سورية.
وعلى الرغم من حساسية تناول الموضوع طائفياً وسياسياً من شخصية سياسية ودينية، مثله، إلا أن أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، ركز في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وتحديداً ليلة السابع من محرم، في كلمته على الحديث عن علامات ظهور المهدي، الإمام الثاني عشر بحسب معتقدات الشيعة الإمامية الاثني عشرية، الذي سيظهر في آخر الزمان، بعد غيبته الطويلة منذ عام 260 هجرية، ليقيم حكومة العدل الإلهية في الأرض، بعد أن ملئت جوراً وظلماً.
وعلى الرغم من أن التاريخ يؤكد أن الحسن العسكري (الإمام الحادي عشر عند الإمامية) مات من دون أن يخلف أولاداً، لكن ليس هذا مهماً الآن. المهم في المؤمنين بالرواية. وشاعت بين الأوساط الشيعية أقاويل إن حسن نصر الله نفسه هو اليماني المنتظر الذي سيكون ظهوره بالتزامن مع ظهور السفياني والخراساني، وفق المعتقد الشيعي، لكن نصر الله نفى ذلك في كلمته، وهو يدعو إلى انتظار اليماني.
لا فكرة، اليوم، أكثر رواجاً لدى الشيعة من إيمانهم بأن أحداث سورية هي مقدمة لظهور الإمام المهدي. ومن المعلوم أن عقيدة ظهور الإمام المهدي وقيامه تعد من أصول المذهب الشيعي الإثني عشري. ومنذ البوادر الأولى لتفجر الأزمة في مدينة درعا، جنوب سورية، وانتشار التوقعات بغرق الشرق الأوسط في بحر من الدم وكثير من المقاتلين على جانبي الصراع، قال شيعة إن هذا المسار مهدت له قبل 1400 سنة أحاديث للرسول محمد، تناقلها الصحابة والتابعون.
باختصار، المشهد، كما يراه مراقبون، أعقد من أن يكون مجرد صراع على السلطة بين بشار الأسد وخصومه، إنها حرب في انتظار "القيامة"!
3467CF47-90FA-451A-87BD-72D9E261E143
خالد وليد محمود

كاتب وباحث، نشرت دراسات ومقالات عديدة. وله الكتب "شبكات التّواصل الاجتماعي وديناميكية التّغيير في العالم العربيّ" و"آفاق الأمن الإسرائيلي: الواقع والمستقبل" و"مراكز البحوث في الوطن العربي" و"قلاع اللغة العربية ورياح الثورة الاعلامية". ماجستير في العلاقات الدولية من الجامعة الأردنيّة.