يبدو أن تعقيدات الوضع السياسي في المنطقة، وعدم وجود استراتيجية واضحة للتحالف الدولي في مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، تدفع باتجاه السماح بسقوط عين العرب التي تدور فيها حرب شوارع بين وحدات "حماية الشعب" الكردية والفصائل التي تحارب إلى جانبها، وبين تنظيم "داعش" الذي يُرجّح أن يتمكن من السيطرة على المدينة، ما لم تحصل مفاجأة تغيّر مسار الأحداث.
وسيطر عناصر التنظيم، منذ السبت الماضي، على أكثر من نصف المدينة من خلال السيطرة على أحيائها الشرقية والجنوبية. كما تمكن "داعش" من التوغّل داخل المربع الأمني لمدينة عين العرب، الذي يضم مقرات للإدارة الذاتية والمنظمات المدنية والأحزاب الكردية، فيما لا يزال التنظيم قادراً على تأمين طرق إمداد بالمقاتلين والعتاد من مناطق شيوخ وجرابلس والرقة، من دون أن تتمكن قوات التحالف الدولي من قطع تلك الطرق حتى اللحظة، الأمر الذي يزيد من احتمال سقوط المدينة خلال الساعات المقبلة.
وبعدما شهدت الأيام الماضية تبايناً في المواقف بين تركيا والولايات المتحدة حول الدور التركي في محاربة "داعش"، والذي تجلّى باتهامات وسجالات متبادلة بين الطرفين، وصلت الى حدود اتهام تركيا، عبر نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، بدعم وتمويل التنظيمات الإرهابية، ورفض تركيا لتلك الاتهامات، تلاه اعتذار أميركي عنها، فالمرجّح أن تشهد الأيام المقبلة تبلوراً لآلية أكثر وضوحاً للدخول التركي ضمن التحالف الدولي.
وصبّت زيارة منسّق التحالف، الجنرال جون آلن، ومساعده بريت ماكغورت، الى تركيا، في سياق تفعيل آلية الدخول التركي، والتي أفضت نتائجها الأولية الى قبول تركي بتدريب وتجهيز المعارضة السورية المعتدلة، التي يجري إعدادها لتكون القوة التي ستملأ الفراغ في المناطق التي سيتم إخراج تنظيم "داعش" منها.
فالطرف التركي، اللاعب الأكثر تأثيراً وتأثّراً من الأحداث الجارية على حدوده الجنوبية، يعاني من مجموعة مشاكل مركّبة، منها ما يتعلق بدوره في التحالف الدولي، ومنها ما يتعلق بتسليح أكراد سورية في ظلّ واقع أن المكوّن المسلّح الأكبر منهم تابع لحزب "العمال" الكردستاني التركي، ما يخلق مخاوف لدى الأتراك من تقوية هذا الفصيل وارتداد سلاحه ليُستعمل ضدهم لاحقاً.
كما تواجه تركيا ضغطاً من الجمهور التركي الكردي الذي دعم الحكومة الحالية في الانتخابات، والذي خرج بتظاهرات تطالب بالتدخل البري لحماية عين العرب، وهو الأمر الذي رفضته تركيا بصيغة التدخل الأحادي. وقد أعلن عدد من المسؤولين الأتراك عن أنهم لا يتدخلون بناءً على طلب من أحد، وإنما وفق مصالحهم السياسية.
وعلى الرغم من تبدّل الموقف التركي تجاه تنظيم "داعش" بعد تحرير المواطنين الأتراك الذين كانوا محتجزين لدى التنظيم، إلا أن تدخّل تركيا بقوات برية من دون غطاء دولي هو أمر غير وارد، فهي لم تتدخل سابقاً حتى حين تعرّض السوريون التركمان لمجازر على أيدي النظام السوري.
وقد أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن قيام تركيا بعملية برية منفردة عبر الحدود لإنقاذ مدينة عين العرب السورية من تنظيم "داعش"، هو شيء مستبعد، واصفاً الأمر بـ"غير الواقعي"، فشرط التدخل التركي مرتبط بوجود تفاهم دولي مدعوم من مجلس الأمن أو من حلف شمال الأطلسي على الأقلّ.
كما أن تركيا ترى أن التحالف الدولي، بشكله الحالي، ليس له جدوى، لأنه يُغفل إسقاط النظام السوري كمرحلة تالية أو متزامنة مع القضاء على "داعش"، كون هذا النظام لا يزال يرتكب المجازر بحق المدنيين بالتزامن مع ضربات التحالف، كما أن التحالف بصيغته الحالية لا يحل مشاكل اللاجئين والمدنيين المتضررين جراء عملية التحالف الدولي.
وممّا يعقّد المسألة هو اختلاط الأمور بالنسبة للأكراد الأتراك والسوريين وتباين مواقفهم من التحالف الدولي، ومن الدور التركي في هذا التحالف. ففي الوقت الذي يطالب فيه آلاف الأكراد السوريين والأتراك، الحكومة التركية بالتدخل لحماية عين العرب، يعلن رئيس الحزب "الديمقراطي الكردي" (الجناح السوري لحزب العمال الكردي التركي)، صالح مسلّم، أن أي تدخل بري من قبل تركيا هو بمثابة غزو للأراضي السورية، في حين أرسل رئيس حزب "العمال"، عبد الله أوجلان، من سجنه، رسالة تهدئة لجمهوره، ما يعطي مؤشراً على أن حزب "العمال" يحاول الحفاظ على شعرة معاوية مع الحكومة التركية.
وفي الوقت الذي تسعى فيه جميع الفصائل الكردية للدخول كشريك أساسي في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، تشير المعطيات على الأرض إلى أن الأمور تسير باتجاه ترك مدينة عين العرب تسقط بيد تنظيم "داعش" الى حين التوصل الى توافق سياسي يحدد دور كل طرف، بما يضمن مصالح الأطراف كدول، لأنه من المستبعد أن تضحي الولايات المتحدة بمصالحها مع شريكها الاستراتيجي، تركيا، على حساب مصالح فصائل صغيرة.