حرب الأنبار وتوقُّف الدعم الأميركي يعيدان المالكي لجيش صدّام

11 ابريل 2014
عناصر من الجيش في الرمادي عاصمة الأنبار (getty)
+ الخط -

أثارت دعوة وزارة الدفاع العراقية، يوم الأحد الماضي، ضباط وجنود الجيش السابق إلى العودة لصفوف القوات المسلحة، مع امتيازات وتسهيلات مغرية، جدلاً حاداً في الشارع العراقي حول حقيقة المأزق الذي وقعت فيه حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في حرب الأنبار، وفشل الجيش الحالي في حسم المعركة التي راهن في بدايتها على أن تكون "قصيرة جداً". تتحدث أوساط سياسية وعسكرية عراقية، اليوم، عن خسائر كبيرة في صفوف الجيش، يجري التكتم عليها، دفعت بالمالكي الى رفع سنّ التطوع حتى الأربعين، واستدعاء ضباط وجنود الجيش السابق الذين شاركوا في الحرب الإيرانية وحرب الخليج الاولى والثانية، ومنحهم مرتبات تصل الى مليوني دينار للجندي شهرياً (حوالى 1700 دولار).

هكذا، وبشكل مفاجئ، تحوّل الجيش العراقي في نظر حكومة المالكي، من "جيش ظالم وقمعي"، الى "مؤسسة مهمّة، ما كان يجدر حلّها بالشكل الذي حصل"، مع الاعتراف بأن "تنقيتها كانت لتكون كافية في استمرارها بالخدمة"، وفقاً لما ذكره مسؤولون في حكومة المالكي.

وينص القرار، الذي أصدرته حكومة المالكي وأعلنه المتحدث باسم وزارة الدفاع اللواء الركن محمد العسكري، على رفع سن التطوع في صفوف الجيش، والعفو عن الجنود والضباط الهاربين، فضلاً عن دعوة منتسبي الجيش السابق الذي تم تفكيكه عقب الاحتلال الأميركي، إلى العودة من دون قيد أو شرط.

وقد أثار القرار انتقادات واسعة من خصوم المالكي، خصوصاً من داخل الأحزاب ذات الصبغة الشيعية والكردية، بينما قوبل بتهكّم وسخرية من العرب السنّة.

ويقول جواد البزوني، القيادي في "المجلس الاسلامي الأعلى"، الذي يرأسه عمار الحكيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "دعوة حكومة المالكي لإعادة ضباط الجيش السابق للخدمة دليل على فشلها في إدارة الملف الامني في البلد".


ويرى أن "الحكومة في مأزق أمني كبير لا تُحسد عليه في الانبار ومناطق أخرى من البلاد، إذ إنها نقلت معظم قطعات الجيش إلى هذه المحافظة، من دون أن تحرز تقدماً ملموساً حتى الآن".
ويشير القيادي في "المجلس الأعلى" إلى أن "إعادة عناصر الجيش بهذا الشكل أمر مرفوض، إذ يجب التمييز بين العناصر التي ارتكبت جرائم ضد الانسانية خلال عملها السابق في هذا الجيش، وبين مَن لم يرتكبوا الجرائم".
وعلى الرغم من إعلان "حركة الضباط القدامى" في بغداد، التي تضم ضباط و"مراتب" الجيش السابق، رفضها العودة للجيش الحالي، بسبب ما وصفته بـ"تحوّله الى مؤسسة سياسية تنفّذ أجندات لا تصب لصالح الشعب"، إلا أن أنها أكدت في الوقت نفسه، استعدادها للمساعدة في "إعادة رسم صورة الجيش العراقي بما يتناسب مع تاريخه والمهام الدستورية المناطة به".

وقال عضو الحركة، العميد الركن المتقاعد هشام الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، إن المالكي "في مأزق، وهذا كل ما يمكننا فهمه بعد 11 عاماً من احتلال العراق، وهذا ما يدفعه إلى طلب النجدة مجدداً من جيشه السابق لإنقاذه من خطر التفكك والتقسيم وعواصف الموت اليومية".


ويشدّد الهاشمي على رفضه وزملائه للعودة في ظل وجود "قيادات غير عسكرية ولا تمت للسلك العسكري بصلة"، ويشترط للعودة "إبعاد تلك القيادات وتركنا نعيد تأسيس الجيش بشكل عسكري مهني لا علاقة للسياسة به، لإصلاح ما خرّبه المحتل والمالكي من خلال جلب ميليشيات ومتطرفين".
ويعزو ضابط حالي في الجيش سبب استدعاء ضباط الجيش السابق للخدمة، إلى "قلّة خبرة الجيش الحالي والانكسارت التي تعرّض لها في الانبار، وتوقُّف الدعم الاميركي العسكري للمالكي بشكل شبه كامل".

أما العقيد أحمد الطائي، من قيادة عمليات الانبار العسكرية، فيلفت، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الجنود الحاليين "بلا خبرة وغير مدربين، والمسلحون الذين نواجههم يمتلكون قدرات وخبرات كبيرة. بالتالي يجب الاعتراف بأننا بحاجة الى دعم الجيش السابق بعدما فشلنا في الحصول على الدعم الأميركي في حرب الانبار". ويضيف الطائي أن "الحالة المعنوية للجنود سيئة جداً، وهناك إرهاق واضح وحالات الهروب ارتفعت كثيراً".

إلى ذلك، يرى الأمين العام لحزب الشعب، فائق الشيخ علي، أن أكثر من 6 آلاف جندي وضابط عراقي قُتلوا في حرب الانبار على أقل تقدير، فضلاً عن تدمير عشرات المدرعات، وإسقاط طائرات كانت تعتبر "استراتيجية" للجيش الحالي.

في المقابل، يضع عضو لجنة المصالحة الوطنية البرلمانية في نينوى، التي تضم كبار الجيش السابق، سلام الحمداني، القرار المذكور في خانة الرسالة السياسية من المالكي "يحاول أن يقول من خلالها لدول الخليج والولايات المتحدة إنه ليس بطائفي". ويتابع الحمداني، لـ"العربي الجديد"، أنّ ذلك "لم يعد مجدياً على الاطلاق".

بدوره، يتوقع المحلل السياسي صباح العاني، أن يحرج نجاح الضباط والجنود السابقين في إعادة الامن إلى العراق، الولايات المتحدة وحلفاءها، وهو "ما سيجعل من عرّابي الاحتلال في موقف لا يحسدون عليه".

وعلى الرغم من مرور نحو أسبوع على استدعاء ضباط الجيش السابق، إلا أن مصادر عسكرية في محافظة كركوك، التي تضم أكبر معسكر للتطوّع، كشفت لـ"العربي الجديد" أن أيّاً من عناصر الجيش السابق لم يقدموا أوراق عودتهم بعد، "خصوصاً في ظل استمرار عمليات القصف التي ينفذها الجيش ضد أهداف مدنية في الانبار".


وتحذّر مصادر أمنية من أن عدم التجاوب مع قرار إعادة ضباط وجنود الجيش المنحل منذ سبتمبر/ أيلول 2003، بأمر من الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، من شأنه فتح خيارات أخرى للمالكي، سبق وحذّرته الولايات المتحدة منها، وهي دمج ميليشيات شيعية متمرسة في القتال إلى الجيش، من أجل تجنُّب خسارته في حرب الانبار، بما أنّ "دعوة الجيش السابق وعدم استجابته كمَن يخطب ولا يتزوج"، على حد تعبير المصدر نفسه.