حرائق القمح [3-3]... حقول كركوك في مهب النيران ورفض لتعويض المزارعين

19 يوليو 2019
تدمير 5516 دونماً مزروعة بالحنطة والشعير في كركوك(Getty)
+ الخط -
لم يتبق شيء من محصول الحنطة، في أرض المزارع العراقي حمد فرحان والتي تقدر مساحتها بـ 22 دونماً (تعادل مساحة الدونم في العراق 2500 مترمربع)، بعد اندلاع النيران بها في 11 مايو/أيار الماضي، رغم عمله الدؤوب في رعايتها، إذ كان يحلم بمحصول وفير في هذا الموسم.

ويقدر الستيني فرحان خسائره جراء حريق أرضه التي تقع في قضاء الحويجة جنوبي غرب كركوك بـ 8 ملايين دينار عراقي ( 6751.2 دولارا أميركيا) كما يقول لـ"العربي الجديد"، مستدركا بحزن: "عملت أنا وعائلتي في هذه الأرض، لكسب لقمة العيش الحلال، لكن لم نحصل على شيء".

ويعد فرحان واحدا من 10 مزارعين، في قضاءي الحويجة والدبس، ونواحي شوان، والعباسي والرشاد وأطراف محافظة كركوك، وثّق معد التحقيق خسائرهم، بعد التهام النيران لمحاصيلهم من الحنطة والشعير، ومنهم الخمسيني خلف هليل، الذي تكبد خسائر مادية تصل إلى 10 ملايين دينار (8438.77 دولارا)، نتيجة احتراق محصول الحنطة في أرضه التي يقِّدر مساحتها بـ 18 دونماً منتصف مايو الماضي.


وتكرر الأمر مع المزارع لقمان رسول فلاح، الذي قال لـ"العربي الجديد" :"ذهب جهد موسم كامل أدراج الرياح، والتي ساهمت في سرعة انتشار النار بين السنابل الجافة إلى درجة لم تستطع فرق الدفاع المدني أن تخمدها وظلت وقتا طويلا حتى نجحت في الأمر"، مضيفا أن مساحة أرضه التي تصل إلى 14 دونماً كانت مزروعة بالحنطة، واحترقت يوم الثاني من شهر يونيو/حزيران الماضي، ما تسبب في خسارته 9 ملايين دينار (7594.89 دولارا).



أسباب الحرائق


تسبب 69 حريقا في محافظة كركوك، في تدمير 5516 دونماً خلال الفترة من 8 مايو حتى نهاية يونيو/حزيران الماضي بحسب تأكيد مدير الدفاع المدني في كركوك، العميد صالح محمد علي لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن إجمالي المساحة المزروعة في محافظة كركوك يقدر بمليون دونم.

وانتشرت الحرائق بين الأعشاب والنباتات الطبيعية في بادئ الأمر، ثم وصلت إلى محاصيل الحبوب المجاورة بحسب تأكيد زهير علي حسين، مدير مديرية الزراعة في محافظة كركوك، مشيرا إلى أن النيران دمرت 110 دونمات من الأراضي الزراعية في ناحية الرياض غربي كركوك، منها 100 دونم كانت مزروعة بمحصول القمح كما يقول.

ويؤكد اثنان من المزارعين العشرة الذين وثق معد التحقيق إفاداتهم، أن الحرائق تمت بفعل فاعل، مستندين في ذلك، إلى أن محاصيلهم الزراعية احترقت ليلا وفق ما يقوله المزارع الخمسيني سالار عبد المجيد الذي احترق نصف محصوله من الحنطة والشعير في أرضه المقدرة مساحتها بـ27 دونما في ناحية شوان بمحافظة كركوك يوم 12 مايو الماضي، وخسر معها 10 ملايين دينار، مضيفا أن النار اشتعلت في المحصول منتصف الليل والناس نيام، دون أن تكون هناك أراض محترقة في الجوار.

ما يدعم فرضية وقوع الحرائق بفعل فاعل ما قاله عضو مجلس قضاء الحويجة المحلي أحمد خورشيد، الذي لا يعتقد أن حرق المحاصيل الزراعية في الحقول عملية عشوائية، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، أو بسبب ماس كهربائي في آلات الحصاد أو غير ذلك من الأسباب الشائعة لنشوب الحرائق، عازياً الأمر إلى ما وصفها بالأيادي الخفية، التي تحاول ضرب اقتصاد المنطقة كما يقول.


لكن مدير الدفاع المدني في محافظة كركوك، يعيد أسباب الحرائق إلى الحاصدات ذات الطراز القديم التي تتسبب في ماس كهربائي تعزى إليه غالبية الحرائق، ولا ينكر أن بعضها بفعل فاعل، والإرهاب الذي اعتبره سبباً مستحدثاً، كما يقول لـ"العربي الجديد".

وقيدت مديرية شرطة محافظة كركوك حوادث الحرق ضد مجهول، بحسب العميد أفراسياو كامل، المتحدث باسم مديرية شرطة كركوك، الذي أرجع وقوع بعض من حوادث الحرائق إلى عداء عشائري أو تنافس عائلي أو ثأر شخصي، مضيفا أن الضحية يعرف من الذي حرق أرضه لكنه يأبى على نفسه أن يشي به إلى الشرطة، لأن العادات الاجتماعية والموروثات المتبعة تحتم عليه أن ينتقم لنفسه بيده دون أن يستعين بأحد.

غير أن المزارع خلف عبد العال يقول لـ"العربي الجديد": "لا الدفاع المدني ولا الشرطة تعرف السبب الحقيقي للنار التي اشتعلت في أرضي المقدرة بـ 15 دونما في ناحية العباسي بمحافظة كركوك، في يوم التاسع من مايو الماضي"، مضيفا أن خسائر الحريق الذي أتى على نصف محصول الشعير في أرضه، تصل إلى 6 ملايين دينار ( 5063 دولارا).



اتهامات للدفاع المدني بالتقصير

حصلت محافظة كركوك على دعم لوجيستي من المديرية العامة للدفاع المدني في بغداد ومديرية محافظة واسط، عبر تزويدها بـ 8 عجلات إطفاء إضافية كما يقول العميد صالح، واصفا هذا الدعم بالاستثنائي.

لكن هذا الدعم لم يفلح في تقليص خسائر المزارعين، وفق تأكيد 8 من 10 مزارعين وثق إفاداتهم معد التحقيق، إذ اتهم المزارعون رجال الإطفاء بالتقاعس عن أداء عملهم ما لم يدفع لهم المتضرر مبلغاً من المال، ومنهم المزارع في ناحية شوان، عثمان صالح، الذي اتصل أكثر من مرة بمركز الدفاع المدني لنجدته من حريق نشب في أرضه، التي تبلغ مساحتها ثمانية عشر دونماً، كما يقول لـ"العربي الجديد"، لكنهم وصلوا إليه بعد أربعين دقيقة من بدء الحريق.

ورغم وصولهم متأخرين، إلا أن خزان المياه في سيارة الإطفاء التي تقلّ رجلا من الدفاع المدني، كان فارغاً وفق تأكيده.

ويرفض العميد صالح مدير مديرية الدفاع المدني في كركوك، اتهام مديريته بالتقصير المتعمد أو غير المتعمد، واصفاً ما قاموا به، منذ الثامن من أيار، (تاريخ تسجيل أول حريق في حقول الحنطة والشعير لهذا الموسم)، بالجهد الاستثنائي الذي يشهد له سكان كركوك.


بيد أن بعض المزارعين استعانوا بجيران لمزارعهم للقيام بدور الدفاع المدني، كما حدث مع الأربعيني رزكار حسين، الذي اشتعل الحريق في أرضه ليلا، ما دعاه إلى إطلاق أعيرة نارية في الهواء، لإيقاظ النيام وطلب النجدة منهم، (أمر متعارف عليه في الريف حين يقع أمر طارئ ليلا)، وبالفعل أخمدوا الحريق الذي نشب في أرضه المقدرة مساحتها بـ35 دونما، وأنقذوا أغلبها ولم يحترق غير 4 دونمات من الأرض المزروعة بالحنطة، كما يقول لـ"العربي الجديد".



مشاكل التعويضات

يطالب المزارع فليح توفيق الحكومة العراقية بتعويضه عن الخسارة الفادحة التي مني بها، بعد احتراق 50 دونما من الحنطة في 23 مايو الماضي، إذ اجتمع عليه الحريق مع ما عاناه خلال نزوحه قبل أربع سنوات خلت، قائلا: "عدت مؤخراً لزراعة الأرض في ناحية الرشاد جنوب غربي كركوك، والتي كانت بوراً طوال تلك المدة" وأضاف: "لا يحق للحكومة أن تطالب سكان البلدات المحررة بالمساهمة في إعادة أشكال الحياة الطبيعية إلى مناطقهم وسط هذا الإهمال الكبير".

وبالرغم من أن مدير مديرية الزراعة في محافظة كركوك، زهير علي حسين طمأنه بالقول: "جردنا مدى الضرر الاقتصادي الذي لحق بالفلاحين، كلً على حدة، وسنوصي بتعويضهم، ولكن الأمر يتعلق بتوفر الأموال لدى خزينة الدولة"، إلا أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي قال في مؤتمره الصحافي الأسبوعي الذي عقده يوم الرابع عشر من شهر مايو الماضي، إن الحرائق في معظمها عرضية وليست مفتعلة، وبالتالي فلن يحصل أحد على تعويض مادي، وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد نايف لـ"العربي الجديد"، قائلا: "الحكومة لا يمكنها تعويض المتضررين من الحرائق حتى تثبت تحقيقات الشرطة أن تلك الحرائق أضرمها إرهابيون وهو الأمر الذي لم يتم التحقق منه حتى الآن".

ورفضت الحكومة تعويض المزارع هليل عن خسارته، وفق تأكيده، مشيرا إلى أن الدولة تعتبر ما حدث أمراً عرضيا نتيجة ارتفاع درجات الحرارة؛ "لكننا لن نقبل بهذه الحجج الواهية ونطالب بفتح تحقيق ينتهي بمحاسبة المقصرين"، مطالباً بتسيير دوريات مراقبة وتفتيش على مدار الساعة لحماية مصدر رزق الفلاحين الوحيد من الحرائق بدل من تدميرٍ بليلٍ لجهد العام بكامله.

دلالات