حذاء واحد لخمسة أفراد في سورية

17 أكتوبر 2018
تحمل حصتها الغذائية (جواد الرفاعي/ الأناضول)
+ الخط -
نسبة البطالة في سورية أكثر من 50 في المائة، فيما يعيش 82.5 في المائة من السكان تحت خط الفقر. الحرب أتت على أسر كثيرة لتزيد فقرها ومعاناتها، وتجعل كلّ يوم يمرّ عليها أشد قسوة وضراوة مما سبق.

أنس حمزة، الذي يعيش حالياً في عفرين (شمال غرب) يقول لـ"العربي الجديد": "أسرتي مكونة من خمسة أفراد، وكنت أعمل حداداً في الغوطة الشرقية، وأحياناً سائق سيارة أجرة، أو في البناء، كي أضمن دخلاً لها. بعد الثورة، ضاقت الأحوال أكثر، فكنا محاصرين يفصلنا بين الحياة والموت بعض الطعام، في بعض الأحيان، فكثيراً ما كنا نأكل الملفوف بعد سلقه فقط في اشتداد الحصار، كونه الوحيد الذي يمكن الحصول عليه. بعد تهجيرنا إلى الشمال السوري، فكرت أنّ إحضار أسرتي سيمثل مشكلة وعبئاً كبيراً فتركتها في الغوطة الشرقية وخرجت وحيداً لأقيم لمدة في أحد المخيمات بمنطقة عفرين، ثم ساعدني بعض أصدقائي للخروج منه والعمل في مهنة بسيطة أعتاش منها". يضيف: "بعد فترة تمكنت من لمّ شمل أسرتي التي جاءت من الغوطة، لكنّ الأحوال ضاقت مجدداً، وبالرغم من أنّ أهل البلدة التي أقطن فيها أعطوني البيت مجاناً. لم أتمكن من تأمين لقمة العيش لأسرتي بالرغم من عملي الدؤوب، فتركوني أخيراً وعادوا إلى الغوطة الشرقية للعيش مع أهل زوجتي الذين يمكن أن يساعدوهم وإن بالطعام، كما ستعود بناتي الثلاث إلى المدرسة هناك".




هو يعمل الآن في قطاف الزيتون في عفرين، وقبل مدة اصطاد العصافير وباع العصفور الواحد بمائة ليرة سورية (0.20 دولار أميركي)، وفي أفضل الأحوال كان يجني ألف ليرة (2 دولار) يومياً. يختم الأربعيني: "لا أعلم أهو تقصير مني أم ضيق ذات اليد، أم أنّ مصيري أن يفرقني الفقر عن أسرتي، لكن لن أشعر باليأس وسأكابد للعيش ولمّ شمل أسرتي".

يتحدث الناشط في تنسيقية تدمر، أبو بكر السالم، لـ"العربي الجديد" عن أسرة تعيش في مخيم الركبان: "هناك مدارس أهلية في المخيم بجهود تطوعية لبعض المعلمين تحصل على جزء يسير من الدعم المقدم من أهالي مدينة تدمر خارج المخيم، وهو ما يسد بعض الحاجة من القرطاسية. في إحدى المرات جاء طفل إلى المدرسة حافي القدمين من أسرة فقيرة، فسألته المعلمة عن سبب مجيئه من دون حذاء فأجابها: لدينا حذاء واحد، ونحن خمسة أفراد في الأسرة، وصادف أنّ اليوم سمحوا لأختي بمراجعة نقطة يونيسف الطبية داخل الحدود الأردنية، وقالت أمي إنّ من الأولى أن تنتعل أختي الحذاء، إذ سيسخر منها الجميع إذا ذهبت حافية، ولن يراعي أحد ما نعيشه من معاناة داخل المخيم". يضيف الناشط: "في كثير من الأحيان عندما يجمع أهالي تدمر ما تيسر لهم من تبرعات مالية يرسلونها إلى المخيم، كي يؤمنوا من الطعام ما يسدّ الرمق ويبقي الأطفال قادرين على الحركة. أسر كثيرة تعيش فقراً مدقعاً لكن تتحاشى السؤال".

يروي، عبد المولى عثمان (29 عاماً) قصته لـ"العربي الجديد": "مات والداي عندما كنت صغيراً ووضعني أقاربي في دار للأيتام في دمشق قضيت فيه سبعة عشر عاماً، لديّ منذ ولادتي انحناء في العمود الفقري مع التواء في قدمي اليمنى وقصر فيها، فأستخدم العكاز دائماً. عندما جاء أخوالي لإخراجي من دار الأيتام في دمشق لينقلوني إلى بلدتنا في ريف حماة الشمالي كنت أتخيل أنّي سأقضي حياتي وحيداً. لكنّهم بعد مدة أخبروني أنّ عليّ أن أتزوج وهم سيبنون لي غرفة، إذ لا قدرة لديهم لإعانتي أكثر من ذلك. كنت حينها أعمل بما يتوافر لي من أعمال وإن بقوت اليوم. وتزوجت، فبدأت صعوبات الحياة تزداد وكنت أقف عاجزاً في بعض الأحيان وأسأل نفسي كيف سأعيش مع زوجتي. يضيف عثمان: "كنا نتعاون أنا وزوجتي التي بدأت تعمل في الحقول لتخفيف الأعباء عنا، وأمضينا قرابة عامين بعد طفلتنا الأولى على هذه الحال، حتى بدأت طائرات النظام بقصف البلدة فاضطررنا لترك الغرفة واللجوء إلى مخيم في ريف إدلب، لا نملك شيئاً. لم أكن أستحي بفقري، وكنت أطلب من المنظمات إعانتنا، ونحصل على حصص إغاثية نعتبرها بمثابة هدية من الله".




يتابع: "حصلت منذ تسعة أشهر على دراجة آلية بثلاث عجلات تعمل على الكهرباء، أستخدمها لبيع بعض الحاجيات كألعاب الأطفال والمناديل الورقية والمأكولات الخفيفة المتنوعة، وهي تعينني على جزء من مصروف أسرتي. كذلك، تعلمت زوجتي في إحدى الفعاليات التي نظمت في المخيم خياطة الملابس وتعمل فيها الآن. أحوالنا مقبولة في الفترة الراهنة مع ولادة طفلتنا الثانية، كما أنّ ابنتي الكبيرة تتعلم في مدرسة المخيم".