أسر ليبية تتقاسم مساكن متهالكة

17 أكتوبر 2018
تراجعت الأحوال بسبب الحرب (مروان نعماني/ فرانس برس)
+ الخط -
تتقاسم عائلتا جراب والعياشي، بقايا منزل قديم في أطراف العاصمة الليبية طرابلس على الطريق إلى منطقة القربولي، لتتزايد معاناة الأسرتين المهجرتين أساساً من مناطق الجنوب منذ سنوات، إلى منطقة قصر بن غشير جنوب طرابلس، قبل أن يضطروا للنزوح منها إلى مسكنهم المتهالك بسبب الحرب.

يقول رب أسرة جراب، إنّهم حاولوا بعد توقف الحرب قبل أسابيع، الرجوع إلى مسكنهم في جنوب طرابلس، لكنّ سلطات المنطقة المحلية انتهزت فرصة النزوح من الجنوب، وأزالت المساكن العشوائية التي كانوا يسكنون فيها. يقول: "لم يعد لنا ملجأ إلاّ الله نسكن هذه الخرابة التي سمح لنا صاحبها بالبقاء فيها لأشهر، لكن إلى أين بعدها؟". وعن ظروف الأسرتين يقول: "أنا متقاعد وأعيش من راتب لا نتحصل إلاّ على ثلثه شهرياً بعد معاناة كبيرة. أما شريكي في المنزل فهو ذو إعاقة حركية تمنعه من المشي، ويعيل ست بنات ولا ذكور لديه، وقد فقد ابنه الأكبر في حروب البلاد المتتابعة. "لقد اعتدنا هذه الظروف فوجبات اليوم قلصناها إلى واحدة ونعوض الباقي ببعض الفتات البسيط، لكنّ أهل الإحسان يتذكروننا في بعض الأحيان".
يتابع أنّ بناته توقفن عن الدراسة منذ عام 2016: "لا قدرة لي على توفير لوازم المدرسة والزي المفروض من الوزارة، فأنت تسأل عن كماليات".




يعاني ثلثا سكان ليبيا تقريباً من الفقر بسبب الحرب، التي لم تترك مدينة. تقول زكية المجدوب، وهي مسؤولة في إدارة المعلومات والتوثيق بوزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة الوفاق، لـ"العربي الجديد": "بلدنا غني بالنفط وما حدث من فقر ناتج عن الحرب وهو أمر طبيعي"، مشيرة في حديثها المقتضب إلى جهود وخطط تقوم عليها الوزارة لمساعدة منكوبي الحرب وترفض أن تسميهم بـ"الفقراء".

لكنّ فرج عمر، رئيس جمعية خديجة الكبرى الأهلية، يؤكد أنّ "الفقر بات واقعاً، والجهات الحكومية تتهرب من ذلك لأنّها السبب، إذ إنّها عاجزة عن معالجة ما تسبب فيه". يوضح في حديث إلى "العربي الجديد" أنّ "أكثر من 150 أسرة تعيش بلا مأوى، ويدفع لها الخيّرون من خلال الجمعيات إيجارات شهرية لمساكن بعضها جماعي يأوي أسرتين أو ثلاث أسر". يتابع: "الكارثة في تزايد، فحتى أموال الجمعيات الخيرية ممنوعة من الوصول إليها بسبب غياب السيولة النقدية في البنوك، ولذلك، بتنا عاجزين عن مساعدة الفقراء". يؤكد عمر أنّ أسراً في طرابلس يمرّ عليهم أسبوع وربما أسبوعان بوجبة واحدة يومياً، مشيراً إلى أنّ البطالة عامل آخر إضافي زاد من معاناة الأسر.

ينقل عمر، عن جمعيات خيرية في مناطق خارج طرابلس، أنّ أسراً تسكن في الحاويات التي تركتها الشركات الأجنبية بعد مغادرتها البلاد، وأخرى تعيش في مواسير النهر الصناعي في الجنوب إذ إنّها كبيرة الحجم ويمكن إغلاقها من إحدى الجهتين للسكن فيها. يتابع بتأثر: "بحسب خبرتي، أؤكد أنّ ثلث سكان ليبيا تحت خط الفقر، وثلث آخر يتعيش من بدائل كالأعمال والمهن الخاصة للوصول إلى الكفاف من الحياة".

وفّرت مجموعة خيرية فرص تعليم لأطفال الجنوب الليبي، وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام صوراً لغرف مبنية من سعف النخيل زودت بمقاعد للأطفال بمنطقة العوينات بالجنوب، وتبرع أفراد المجموعة لتعليم أطفال مع بدء العام الدراسي كوجه من وجوه الفقر الذي تعانيه المناطق النائية.

تقترب النسب التي يذكرها عمر مما أعلنته الحكومة في العهد السابق، إذ أكدت عام 2010 أنّ 29 في المائة من سكان البلاد هم من الفقراء. وكانت قد حددت مستوى خط الفقر بدخل الأسرة الذي يقلّ عن 400 دينار (291 دولاراً أميركياً) لكن متوسط الرواتب وصل إلى 750 ديناراً (545 دولاراً) عام 2010.




وأوضحت حكومة العهد السابق أنّ الفقراء في البلاد هم من الأرامل والمطلقات والأشخاص ذوي الإعاقة والمتقاعدين، في الغالب. لكنّ هذا الإحصاء يصطدم بإعلانات صندوق الإنماء الاجتماعي الذي يؤكد أنّ 268.483 أسرة من أصل 600 ألف أسرة هي كامل عدد الأسر الليبية عام 2010، كانت تتقاضى منحاً تعرف باسم "الحوافظ"، إذ قررت الحكومة نقل من يتقاضى رواتب إعانة من صندوق الضمان إلى صندوق الإنماء الاجتماعي، لتمنح كلّ أسرة حافظة أودعت فيها حصصها من صادرات النفط تتلقاها شهرياً كنسب من استثمارات الحوافظ لدى الدولة. وأكد الصندوق أنّ متوسط تلك المنح الاستثمارية لا يتجاوز 500 دينار (363 دولاراً) شهرياً للأسرة الواحدة، وأعلن عام 2012 عن توقف صرفها، ما يشير إلى دخول أكثر من 268 ألف أسرة إلى خانة الفقر.