حدود الحل السلمي

08 فبراير 2016
+ الخط -
صدر القرار الدولي رقم 2254 من مجلس الأمن تحت عنوان الحل السلمي في سورية، وتضمن فقراتٍ عن وقف إطلاق النار، ووَضَعَ آلية لمراقبة هذا الوقف. احتوى فقراتٍ أخرى عن التفاوض، ومواعيد محدّدة لتشكيل مؤسسات حكومية توافقية، وكان بمثابة تمهيد لمؤتمر جنيف التفاوضي، على أن يبقى مرجعاً قانونياً لما سيتمخض عن المؤتمر.
يُفترض أن يمثل هذا القرارُ إجماعاً عاماً، دولياً وإقليمياً ومحلياً، على أن الحل في سورية حل لا تتدخل البندقية في حسمه، بمعنى منع أي طرفٍ من تحقيق أي انتصار عسكري يمكن أن يحدد شكلاً لسورية المستقبلية. يمكن بسهولة الاستنتاج من هذا القرار بأنه لا يُجيزُ العودة إلى الوراء، فالمؤسسات التي ستنشأ عن التفاوض لا علاقة لها بما كان قائماً، أو بما هو قائم حالياً.
دخل النظام المفاوضات بإحساسٍ مريح، فقطعاته العسكرية ومليشياته الأخرى تتحرك بحرية أكبر، تحت الغطاء الروسي الكثيف، وقد انعكست "أريحيته" هذه بعجرفة تصريحات بشار الجعفري الذي يبدو، وعلى الرغم من أنه مندوب النظام في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى ترؤسه الوفد، وكأنه لم يفهم القرار الدولي، أو لا يرغب بتفسيره على نحو صحيح، فهو ما زال يعيش أجواء ما قبل مارس/ آذار 2011، ولم ينطق، في كلمته، بمفردة معارضة، بما تمثله هذه الكلمة من مرجعيةٍ دوليةٍ، باعتبارها جسماً وطنياً يجب التفاوض معه، والرضوخ لمطالبه. أما الروس فروَّجوا، عبر وسائل الإعلام، أن طائرة سوخوي 35 سوف تدخل الجبهة في سورية. ترافق هذا الإعلان مع نشرةٍ تبيّن خواص هذه الطائرة "الخارقة"، وبدا نائب رئيس الوزراء الروسي، ديميتري روغوزين، سعيداً ومتحدياً، وهو يقول في صفحته في "فيسبوك" "أنصح، ومن كل قلبي، بألا يتجرأ أحد على مجاراة هذا الطير في سماء سورية".
بدّدت سلوكيات رئيس وفد النظام، وتصريحات مسؤولي الدرجة الثانية الروس، أيَّ شعور "سلمي" يمكن أن يشيعه هذا المؤتمر المعقود في مدينة مشهورة باحتضانها اتفاقيات سلمية كثيرة.
فشل المؤتمر منذ لحظته الأولى، على الرغم من استمراره ثلاثة أيام، ثم صرَّح ستيفان دي ميستورا عن نية تأجيله، بدل إعلان فشله، وهو أسلوب سياسي معروف في تأجيل ما هو دبلوماسي، انتظاراً لتغيير عسكري، يجعل الدبلوماسي متاحاً أكثر. وتعني هذه المعادلة أن الحرب ستستمر بشكل مختلف هذه المرة، تمهيداً لفرض الحل السلمي. وكان نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد قال، قبل أكثر من أسبوعين، إن بلاده مستعدة للتدخل العسكري، في حال فشل المفاوضات. وفي الوقت نفسه، كانت السعودية تعلن عن تشكيل تحالف إسلامي عسكري عريض ضد الإرهاب، ويمكن أن نضيف إلى ذلك كله الوجود الروسي والإيراني والمليشياوي العسكري المتصاعد في سورية، ما يعني أن المشهد أصبح عسكرياً خالصاً، وتبخرت كل آمال الحل السلمي الذي يتشدّق به كل المصرحين.
إخفاق المؤتمر الذي حمَّلت فرنسا وأميركا مسؤوليته إلى النظامين، السوري والروسي، إيجاد أجواء من الترقّب والتوتر، وجعل الدول النشطة في هذا الملف تستعرض الخيار الآخر جدياً، فالسعودية ترغب في تفعيل الحلف الإسلامي ضد الإرهاب، وتركيا تساندها في ذلك، وليست لدى أميركا مشكلة، ومستعدة، ربما، للتعاون. وقد رأينا، بالفعل، تحركاتٍ عسكرية تركية، رصدها الروس على الحدود التي تشهد نازحين جدداً، تشردوا نتيجة الهجوم الروسي، أخيراً، على حلب.
لم يبق من الحل السلمي الذي تحاول أن تفرضه الدول الكبرى إلا صدى هزيل، وموعد مؤجل حتى نهاية شهر فبراير/ شباط الجاري، وهو موعد غير مضمون، فمعاملات التبدل كثيرة وموجودة، والتعنت العسكري للروس الذي يستريح النظام في ظله، يتعاظم في الإعلام وعلى الأرض، وقد تلقَّفَ المعسكر المقابل الرسالة، وبدأ يعد العدة العسكرية المناسبة، ما سيجعل الحلول السلمية ترقد في براميل "المخلل" فترات طويلة، وقد تتعرّض للتعفّن والتلف.