حجب تليغرام يشطب 200 ألف وظيفة في إيران ويرفع البطالة

16 مايو 2018
العقوبات والقيود الحكومية تزيد الضغوط على الأسواق (فرانس برس)
+ الخط -


جاء حجب تطبيق تليغرام في إيران قبل أيام، ليثير الكثير من القلق لدى مستخدميه في العديد من المجالات الاقتصادية والخدمية، لا سيما أنه ظل الأكثر رواجاً واستخداما في الدولة، وتحول لوجهة للتجارة الإلكترونية على تطبيقات ومواقع التواصل المتاحة في الداخل، ما جعله مصدر رزق لكثيرين وملجأ لمتسوقين يجدون فيه مبتغاهم بأسعار أرخص تناسب وضعهم المادي.

ويواجه الشارع الإيراني ظروفاً تؤثر على معيشته وعلى قدرته الاقتصادية، فلم يعد الأمر يتعلق بعوامل خارجية فقط مثل عودة العقوبات الأميركية واحتمال انهيار الاتفاق النووي بالكامل، وإنما إجراءات داخلية قد تزيد من الأعباء المعيشية.

تقول مريم شاه بداغي، إن إغلاق تليغرام وعدم القدرة على فتحه إلا باستخدام برامج لكسر الحظر، مع عدم العمل الكثير منها، تسبب في أمور سلبية.

وكانت شاه بداغي، تستخدم التطبيق لشراء الكثير من احتياجات البيت، ومما تطلبه عائلتها من ملابس وحتى من أدوات منزلية، مؤكدة أنه كان يوفر الوقت والجهد الذي كانت تقضيه في التسوق، كما يوفر المال كثيراً.

ومنذ الحجب، طرح المعنيون في إيران تطبيقات محلية بديلة، وفي سؤال لـ"العربي الجديد" عما إذا كانت القنوات التجارية الموجودة على تليغرام قد انتقلت إلى التطبيقات الجديدة، أجابت شاه بداغي بالنفي.

وقالت إنها لم تعد تستخدم أساسا التطبيقات لذات الغرض، فما تم طرحه حديثا لا يلبي المطلوب، لوجود خلل فيها، بينما كان تليغرام سريعا ومريحا ومتنوعا، مستبعدة قدرة هذه التطبيقات على أن تشغل فراغ تليغرام الاقتصادي، فالأمر لم يكن يقتصر على قنوات تبيع منتجات محلية، بل إن بعضها كان يروج لمنتجات مستوردة وبأسعار أرخص من تلك الموجودة في السوق، بل ومنها ما يكون خارج إيران وترسل بضائعها بالبريد للزبائن، والتطبيقات المحلية لن تتيح هذا المجال.

يوافقها الرأي نيما ساماني، صاحب قناة نيما ستور لبيع الملابس على تطبيق تليغرام، والتي أغلقها بالكامل بعد الحجب. ساماني شاب في العشرينيات من العمر، ويصف نفسه بأنه حديث العهد في السوق، ومع ذلك كانت قناته بمثابة مصدر للرزق، ويكسب من خلالها قوت يومه، وكانت أرباحه الصافية تصل إلى مليوني تومان أحيانا (الدولار يعادل 4200 تومان)، هو ليس مبلغا عاليا إذا ما تم احتسابه كمستحقات شهرية، ولكنه كان يكفيه كونه لا يعيل عائلة.

ذكر ساماني أن الملابس التي كان يبيعها عبر تليغرام إيرانية وليست مستوردة، وأرباحها ضئيلة، لكن الوضع كان جيدا بالنسبة له، وكان الزبائن يتواصلون معه عبر رقمه على تليغرام أيضا وكان يرسل لهم ما يريدونه إلى أي عنوان في كل أرجاء إيران، بعد تحويل المبالغ المالية عبر تطبيقات المصارف الإلكترونية كذلك، وكل هذا يعني انتعاشا بحسب رأيه.

قال ساماني إن تليغرام لا يوفر المال والجهد وحسب، بل إنه يوفر التكاليف التي تترتب على مشروع لبيع الملابس مثلا، ويقلل من مصاريف الإعلانات، وأكد أن البيع الآن على قناته قد توقف بالكامل، وأصبح عاطلا عن العمل.

وأوضح أنه لم يستخدم البديل حتى الآن على التطبيقات المحلية، وإذا كان هناك تطبيق إيراني يتيح بالفعل ما كان موجودا على تليغرام، فهذا يعني أنه سيبدأ من الصفر مجددا، فلا يعرف كيف سيجمع ذات زبائنه، ولا يمكن الوصول إليهم لإرسال دعوات عبر تليغرام نفسه لينضموا لقناته الجديدة، فكثر لا يستخدمون كاسر الحظر.

يعتبر ساماني أن قرار الحجب كان سلبيا، لا بل ويزيد المشكلات المعيشية والاقتصادية ويرفع من معدلات البطالة، فكثر فقدوا مصدر رزقهم، وكانت هذه القنوات بالنسبة لبعضهم تشكل عملا رئيسا، بينما كانت شغلا جانبيا لآخرين ممن يحاولون تحسين وضعهم المادي.

وفي شهر مارس/آذار الماضي أعربت لجنة الأمن القومي عن نية السلطات حجب تليغرام في إيران، والذي يستخدمه ما يقارب 40 مليون شخص في البلاد، وصدر قرار قضائي بذلك في شهر مايو/أيار الجاري، ومنذ ذاك الوقت والتطبيق يلفظ أنفاسه الأخيرة، فيفتح أحيانا ويغلق في أحيان كثيرة، وفي بعض الأوقات من الممكن الوصول إلى قنواته باستخدام تطبيقات رفع الحجب، وفي أحيان كثيرة يتعذر ذلك أيضا، كما أن العديد من أصحاب القنوات قرروا إغلاقها بعد الحجب.

واحتجت الحكومة الإيرانية على لسان رئيسها حسن روحاني على الأمر، باعتبار أنه يجب فتح المجال للاختيار بين التطبيقات المحلية والأجنبية، وأكد الرئيس أن لتليغرام فوائد اقتصادية، وهو ما جاء على لسان وزير الاتصالات محمد جواد آذري جهرمي، الذي أكد أن تليغرام أمن وظائف لنحو 200 ألف شخص في إيران خلال العامين الماضيين.

وبحسب لجنة الأشغال الحديثة التابعة لغرفة التجارة يوجد بين 10 آلاف و15 ألف وظيفة تدار بشكل افتراضي على هذا التطبيق، وبأن هناك ما يقارب 30 ألف محل إلكتروني لبيع المنتجات على تليغرام وإنستغرام المستخدم كثيرا في إيران أيضا، وكل هذا رفع سقف التوقعات بأن يؤدي حجب تليغرام لكساد في التجارة الإلكترونية ولرفع عدد العاطلين عن العمل.

بحسب تقارير صادرة عن مركز الإحصاء الرسمي في مارس/آذار الماضي، فإن عدد الأفراد الذين يعانون من البطالة المطلقة يبلغ 3.2 ملايين شخص، لكن الخبراء يتحدثون عن أرقام أعلى من ذلك بكثير، وإن تم احتساب أصحاب الأعمال والأشغال غير الثابتة سيتضاعف هذا الرقم.

ووفق وزارة العمل يوجد في الوقت الراهن 850 ألف شخص يتحضرون للدخول لسوق العمل، وغالبيتهم من الطلاب الجامعيين، وهو ما يعني توقعات بارتفاع هذه الأرقام التي تؤثر عليها مشكلات اقتصادية كثيرة، منها العقوبات، لكن حظر تليغرام الذي فتح مجالا لفرص وأعمال ومشاريع صغيرة يزيد الطين بلة.

وعن هذا الأمر قال الخبير الاقتصادي بالتجارة الإلكترونية بيمان نيكنهاد، إن هذا الحجب لن يحمل إلا تبعات سلبية، وإذا كانت الغاية تشجيع المنتج المحلي والتطبيقات الداخلية تصنف كأحد أنواعه، فعلى الأقل يجب طرح بديل جيد وبجودة عالية قادرة على التغطية على التطبيق الأجنبي، وهذا أساسا سيفتح المجال للتنافس في السوق ما سيزيد من انتعاشه.

وتوقع ارتفاع نسب البطالة كون تليغرام وجد حلا جزئيا لشريحة من الإيرانيين، كما فتح الباب أمام الإعلان والتسويق وهو ما شجع على إطلاق مشاريع ترويجية صغيرة، ولم يساعد في التجارة والبيع والشراء وحسب، بل أصبح منفذا لفنانين يريدون بيع لوحاتهم، أو لترويج إعلانات لبيع سيارات أو مفروشات مستعملة، وحتى لاستئجار الشقق، وكل هذا زاد من المستحقات المالية التي تعود على بعض المستخدمين، وصحيح أنها قد تكون متواضعة لكنها تشكل قوت عيش لعائلة صغيرة في بعض الأحيان.

السلطات المعنية، وخاصة السلطة القضائية التي أصدرت قرار الحجب بشكل رسمي، ترى أن تليغرام ساهم في زيادة عمليات الاحتيال الإلكتروني، وتبييض (غسل) الأموال، لا بل واتهمت التطبيق بدعم الإرهاب من خلال إتاحة التواصل بشكل آمن فيما بين عناصره، ناهيك عن مبررات تتعلق بوجود قنوات غير أخلاقية أو تخالف الشرع والقانون في إيران.

لكن احتجاجات ديسمبر/كانون الأول الماضي، التي حملت شعارات ذات مطالب اقتصادية أولا ومن ثم تحولت لسياسية، زادت الضغوط من أجل حجب تليغرام، حيث لعب دوراً في إيصال المعلومات لكثيرين، بل ونشطت عليه قنوات معارضة، ما أثار حفيظة السلطات، وهو ما يعني أن السياسة ستظل تترك آثاراً وتبعات سلبية على اقتصاد ومعيشة الإيرانيين.

ويتعرض الاقتصاد الإيراني لضغوط متزايدة، حيث شهدت العملة المحلية تراجعا حادا منذ بداية العام الجاري 2018، ما دعا السلطات إلى اتخاذ إجراءات من شأنها الحد من تهاويها وكبح المضاربين، بينما يتخوف من أن تحمل العقوبات الأميركية المرتقبة قيودا كبيرة على النفط وموارد العملة الصعبة للدولة.

المساهمون