حتشبسوت.. المرأة التي أصبحت ملكاً

02 يوليو 2015
معبد حتشبسوت في الأقصر (تصوير: روس دونكان)
+ الخط -

يجد المهتم بسير المَلِكات في الحضارات القديمة أنهنّ غالباً ما تقلدن الحكم بحيلة أو بعد أزمة أو حللن كوصيّات على الملك المنتظر. كما أن تتبع مصائرهن يُظهر كيف تثابر رواية التاريخ على سرد أخبار الملكات اللواتي انتحرن أو اختُطفن أو انتهين بطريقة مؤلمة مع ممالكهنّ: زنوبيا وكليوباترا وشجرة الدر كأمثلة. التطلع إلى الحكم والطموح السياسي يُنظر إليه بوصفه عيباً في المرأة، ونهايته ليست سعيدة في غالب الأحيان، ويمكننا أن نلمس ذلك في عمل الذاكرة الثقافية حين يتعلق الأمر بتدوين تاريخ المرأة السياسي.

بين أيدينا كتاب "المرأة التي ستكون ملكاً"- الصادر بالإنجليزية عن دار "وان وورلد"- للباحثة الأميركية كارا كوني، وهو يضيء سيرة المرأة التي قامت بدورها في السلطة كما ينبغي، حتشبسوت (1508–1458 ق.م) الفرعون الخامس، المرأة التي قدّمت نفسها كرجل، لتستطيع أن تصل إلى سدة الحكم وتظل فيها 15 عاماً كانت حقبة من الرفاه والتجارة والسلام أيضاً.

قامت كوني المتخصصة في "المصريات" ببناء سيرة لحتشبسوت في هذا الكتاب، ورغم أنها أكاديمية محنكة ومستكشفة في عالم الآثار، لكنها قرّرت أن تكتب كتاباً تتحدث فيه عمّا يتحاشى أكاديميّو الآثار الخوض فيه: العواطف والمحن الشخصية وقرارات الحياة الخاصة.

كانت منهجية كوني تعمد في الكتب السابقة إلى التدقيق في البيانات والتمحيص في الأشياء لتفهم الزمان الفرعوني بشكل عام. غير أنها تخلّت هنا عن انهماكها بالأشياء واستعملت منه ما يكفي لتخيل حياة حتشبسوت. واستفادت من فهمها لذلك الزمان لتقرأ الدوافع التي وقفت وراء قرارات "الملك" حتشبسوت هل كانت دوافع جندرية؟ عاطفية؟ سياسية؟

أدركت حتشبسوت تناقضات وعقبات واقع وصول المرأة للسلطة، فأخذت ذلك الواقع بتناقضاته، ولم تلفظه أو تنكره بل التفّت عليه لخدمة طموحها السياسي، ارتدت القناع الفرعوني الذي يظهرها بذقن وظهرت كرجل وخوطبت كواحد. أي أنها في ذلك الوقت عبرت الجندر ظاهرياً لكي يقبلها المجتمع سيّدة عليه.

 كتاب كوني له أهمية من عدة نواح، أولاها طريقته الممتعة التي نحّت الكتابة الأكاديمية العابسة جانباً، واستبدلتها بكتابة سيرية ممتعة ومسترسلة وتحليلات عميقة تربط حتشبسوت التي حكمت سنة 1475 ق.م بواقع وصول المرأة للسلطة في عام 2014.

ومن جهة أخرى، فإن معظم الأيقونوغرافيا التي تخصّ "الفرعون الخامس" تم تدميرها عمداً من قبل ابن زوجها وابن أخيها حين حلّا مكانها في الحكم، بحسب الباحثة، بل وتمّ محو اسمها من بعض كتابات جدران المعابد التي تناولت إنجازاً من إنجازاتها.

لكن كوني تؤكد في المقدمة إن ما فعلته حتشبسوت كان كثيراً وظاهراً ومؤثراً بحيث لا يمكن محوه بالكامل، وفي حين ليس هناك الكثير من التماثيل لها في مصر (لها معبد في الدير البحري في الأقصر) يوجد العشرات التي تم تجميعها قطعة قطعة وتعرض الآن في متاحف نيويورك.

دلالات
المساهمون