حب الوطن يعيش لمّا الجوع يموت
وبينما كان الرجل الفقير يستمع إلى السياسي تذكر حال أهل بيته الجوعى، وحال هذا السياسي الذي ينهب من أموال الشعب بدون وجه حق، ويعيش حياة المترفين المنعمين، في الوقت الذي يموت فيه الشعب من الأوضاع الاقتصادية المنهارة والأزمات الإنسانية المتلاحقة.
وتعجّب الرجل من حال هؤلاء المحتشدين الذين يعانون مثل ما يعاني ويذوقون المرّ مثله، ومع هذا فهم يهتفون ويصفقون لهذا السياسي الذي لا يشعر بأحوالهم أو أزماتهم، ودار الرجل بعينيه على وجوه القوم فرأى البؤس والحرمان والفقر، وعلى الرغم من هذا ما زالوا يصدّقون كلام هؤلاء السياسيين الذين يلعبون بألفاظ الكلام ويطلقون الشعارات الرنّانة فتعجّب أشد العجب منهم، وحدّث نفسه، ماذا يحصل لو ثار هؤلاء القوم على الظلم؟ وبدل أن يصفقوا لهؤلاء القوم، أعرضوا عنهم ودافعوا عن كرامتهم المسلوبة وطالبوهم بحقوقهم المنهوبة، وبينما هو كذلك إذا بصوت السياسي يعلو ويهدر كالرعد والناس يزدادون صخباً وانفعالاً مع كلماته وشعاراته الرنانة.
وازداد عجب صاحبنا الفقير وتحيّر أكثر في أمر هؤلاء القوم، وأخذ يردد حب الوطن يعيش لما الجوع يموت وبدأ صوته يعلو أكثر وأكثر، ولكن ضاع صوته في ضجيج المحتشدين الذين يصفقون للكلام المعسول والشعارات الرنانة حتى وهم يذوقون أشد أنواع البؤس والألم والحرمان، فخرج الفقير يجرّ أذيال الخيبة والحسرة لمرأى هؤلاء الناس وهم يصفقون للذين يتاجرون بالآلام وأوجاعهم وجراحاتهم في الوقت الذي يعيش فيه هؤلاء حياة الترف والنعيم.
إن الشعب الذي يكون هكذا حاله وحال السياسيين فيه لا يستحق أن ينتصر، ولا حتى يستحق أن يعيش، لأنه هو الذي أعطى السلطة لهؤلاء حتى يكونوا هكذا، فمن لا يرى المال بلا حارس ولا يسرق، ومن يرى الشعب يتبعه بلا محاسبة أو مساءلة ولا يفعل كل ما في مصلحته ولو كان على حساب ملايين الناس.
فالوطن ليس كلمات وشعارات بل أفعال وأعمال، فأي وطن هذا الذي يقتل أبناءه ويميت الكرامة فيهم، ويجعل أبناءه جوعى فقراء عراة من دون أن يجدوا أبسط مقومات حياتهم، في الوقت الذي ينهب فيه السياسيون مقدراته، ويطالبون فيه الفقراء المعدمين الذين ينهبون أموالهم بأن يضحوا من أجله، بئس الوطن الذي يضحّي فيه أبناء الشعب الفقراء المعدمون بحياتهم من أجله ويسرق خيراته السياسيون ومن على شاكلتهم.