جيل جديد

26 فبراير 2016
(Getty)
+ الخط -
"آخ على هالجيل"، عبارة كثيرًا ما نسمعها هنا وهناك، والغرض منها غالبًا يكون الاستهزاء والاستخفاف بالجيل الجديد، الجيل الأصغر، مثلاً، استهزاء آبائنا بالموسيقى التي نسمعها، أو بنمط الكتب التي نقرأ. وهذا مرض انتقل لنا، فنحن الآن، مثلًا، نستهزئ بالجيل القادم، ونقول: "آخ على الجيل القادم، بعضٌ منه يتربى في مدارس داعش، وبعضٌ آخر ينتظر تامر حسني أن يحكّم موهبته. ماذا تنتظرون من هكذا جيل. أخ على هالجيل".
طبعاً لا تهم هنا المعطيات أو الصورة الكاملة، ما يهمنا هو أن نطلق أحكامنا على كل شيء، من زاوية رؤيتنا للأمور، وتبًا لنسبية آينشتاين هذه. على كل حال لدي بعض الحكايا عن أبناء جيلي، جيل الثورة، الجيل الذي يغير وجه التاريخ، أوّد أن أسرد بعضها هنا، لكن قبل ذلك أود التأكيد على أن هدفي ليس تشويه صورة هذا الجيل، وإنّما القول بأنّ جزئية واحدة لا تصنع الصورة الكاملة. فجيلنا، مثل الجيل الذي سبقنا، مثل الجيل الذي سيلينا، فيه العظماء وفيه الأغبياء وفيه المتحرشون والإرهابيون والعلماء والفلاسفة والشعراء.
حكاية 1:
كنت في الصف الأول الإعدادي، عمري كان حينها 12 أو 13 سنة على الأكثر، كنت حينها طالباً في إحدى مدارس العاصمة دمشق، وكما هو معلوم فالتعليم في سورية هو منفصل في معظم المدارس، أي أنّ مدارس الذكور منفصلة عن مدارس الإناث. كانت أعمار طلاب هذه المدرسة، والذين يتجاوز عددهم تقديريًا الألف طالب، بين 12 و14 سنة.
في إحدى فترات العام الدراسي، انتشرت موضة جديدة في المدرسة، ألا وهي أن يقوم كل طالب بفعل حركة مشينة لزميله الذي أمامه، أي أن يقوم طالب العلم بمحاولة فعل ما فعله لاعب منتخب الفنزويل جونزالو خارا مع اللاعب الأورغوياني أديسون كافاني خلال بطولة كوبا أميركا 2015 لكرة القدم.
بعد أن بدأت هذه الموضة بالانتشار أصبح باستطاعتك أن ترى ألفًا من الطلاب من أصحاب البدل العسكريّة، التي كانت حينها ثياب التعليم الرئيسيّة في سورية الأسد، يمشون بطريقة تشبه طريقة مشي الشرطة العسكريّة حيث تكون أيديهم أسفل ظهورهم، خوفًا من حركة مشينة مارقة. ويحدثونك عن التحرش يا رجل.
حكاية 2:
كان لدينا في نفس الإعدادية الجميلة، التي درست فيها لثلاث سنوات أشياء لا أذكر معظمها، موجّه عصبي جداً. والموجّه هو مراقب سير العمليّة التعليميّة والتأديبيّة والإداريّة لمجموعة من الصفوف في المدرسة الواحدة.
هذا الموجّه الذي لا أذكر اسمه، والحمد لله على نعمة النسيان، كان يستطيع أن يضرب الطلاب بأيّ شيء. كان يستعمل أي شيء للضرب كخشبة من مقعد قديم. أذكر أن هذا الشخص القيّم على تربيتنا، قد أحضر معه عصا كارتيه والتي كنا نسميها "عصاية نيشاكو" وضرب بعض الطلاب بها.
ذات يوم ولا أعرف لماذا قرر الطلاب بعد انتهاء الدوام حرق الكتب المدرسيّة أمام الباب الخارجي لمدرستنا العظيمة. أكلت النيران في تلك الساحة كتبنا اللعينة. كنت ترى فرحة الطلاب أشبه بمن انتصر بمعركة ضد مستعمر احتلنا لأربعمئة سنة.
في تلك الأثناء، خرج الموجّه العظيم، وأغلب الظن أنّه اعتقد حينها أن الطلاب سيخافون منه ويتراجعون عن أفعالهم، إلا أنّ العكس كان قد حدث، وبدأ الطلاب برمي هذا الرجل بالكتب. كانت الكتب تنزل عليه وكأنّها مطر غزير بدأ يهطل من عند إله عزيز مقتدر. كان المشهد لا يشبه شيئاً بقدر ما يشبه ثوراتنا.
في اليوم الثاني، دخل الموجّه إلى صفنا، مثلما فعل في باقي الصفوف، ونادى على اسمين. كان لديه جواسيس في اليوم السابق، مدّوه بأسماء بعض المشاركين في الحملة المسعورة ضد سلطته.
ما إن خرج الطالبان من مقعديهما، حتى بدأ سيل الشتائم ينهال على أميهما. الآنسة، التي كانت تهم بإعطاء درس اللغة الإنجليزيّة، خبأت وجهها خلف الكتاب، والموجّه بدأ بضرب الطالبين، وأخرجهما من الصف.
عاد الطالبان، وأعتقد فيما أعتقد بأنّهما الآن عنصران مسلحان في إحدى القوى المقاتلة في سورية، إلى الصف بعد قليل بوجه مليء بالدم، وعاد الموجّه إلى ممارسة عمله اليومي بشكل طبيعي، وكأن شيئًا لم يكن.
وتحدثني عن العنف يا رجل.

اقرأ أيضاً: 10 ممثلين ومخرجين عظماء لم يفوزوا يوماً بالأوسكار
دلالات
المساهمون