17 نوفمبر 2024
جونسون.. تغيير بلا شعبية
يكاد ينحصر هم السياسة البريطانية الآن في عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، فبريطانيا منذ تصويتها الشهير لصالح الانسحاب، استغنت عن اثنين من كبار ساستها، المنتمين إلى حزب المحافظين.. ديفيد كاميرون، وكان قد وعد في حملته الانتخابية بتنظيم استفتاء للخروج، مع أنه كان يراهن على بقاء بريطانيا في الاتحاد، وربما كان يضع في حساباته إعادة انتخابه لمنصب رئيس الوزراء للمرة الثالثة، وهو أصغر رئيس وزراء بريطاني منذ أكثر من قرنين، ولكن النتيجة جاءت لصالح الخروج، فخرج كاميرون ذاته من الحياة السياسية البريطانية، مفسحاً المجال لوزيرة الداخلية، تيريزا ماي، لتأخذ مكانه. وعلى الرغم من أن تاريخها السياسي يقول إنها تدعم البقاء في الاتحاد الأوروبي، ولعل نزعتها تلك ساهمت في عرقلة خروجٍ سلس، فقد خاضت ماي مفاوضات شاقة مع ممثلي الاتحاد الأوروبي أكثر من مرة، ومفاوضاتٍ أكثر مشقة تحت قبة البرلمان. ولعل أكثر ما صادفته من مشاق هو التفاوض مع رجالات حزبها بشأن الموضوع نفسه، ولم تسفر النتيجة إلا عن إعلانها استقالتها بعينين دامعتين، في 24 مايو/أيار الماضي، لتكون ماي الضحية الثانية لمعركة الخروج الصعب، تاركة الجمل بما حمل لخصمها اللدود وعدو الاتحاد الأوروبي القارح، بوريس جونسون.
شكَّل هاجس الخروج من الاتحاد الأوروبي حالة قلق بريطانية منذ الانضمام. لم يشعر سكان الجزر البريطانية بحاجة ماسّة إلى التكتل مع بقية أوروبا، ولكن رئيس الوزراء المحافظ، إدوارد هيث، أعلن الانضمام في وقت مبكر من السبعينيات، وجاءت المعارضة من حزب العمال، وتأكد الانضمام بصورة شعبية في استفتاء جرى عام 1975. ظلت المعارضة العمالية متواصلةً طوال عقدي السبعينيات والثمانينيات، وبدأت التحفظات اليمينية بالظهور، حين بدأ الاتحاد الأوروبي يأخذ أشكالاً أقوى وأمتن، وبعد اعتماد اليورو وحدةً نقدية موحدة. رفضت بريطانيا التخلي عن الجنيه الاسترليني، في خطوة تظهر الإحجام البريطاني عن التقارب الجدي والكامل مع أوروبا. تعالت بعد ذلك الأصوات في حزب المحافظين ضد الاتحاد الأوروبي، رافقها تململ شعبي أيضاً وصل إلى إعلان الخروج النهائي تحت قيادة محافظة.
جونسون الذي اختاره المحافظون، الأسبوع الماضي، لقيادة حزبهم تقع على عاتقه هندسة عملية الخروج، وقد يضطر للخروج عشوائياً من دون هندسة، كما يقول. وكان قد استقال في السابق من حكومة ماي لرفضه إملاءات أوروبا في الخروج، وفضَّل الجلوس في مقعدٍ بعيد، مستفيداً من المتاهة التي وضعت تيريزا نفسها فيها، حتى وجد نفسه في المقدّمة. ولكن استطلاعات الرأي لا تضع جونسون، ولا حزبه (المحافظين)، في المركز الأول، فمزاج الشارع يختلف عن تشكيلة البرلمان البريطاني، وقد أنتج المخاض العسير لمعركة الخروج من أوروبا حزباً جديداً اسمه بريكست، تبدو كل أهدافه ومنطلقاته موجهة لعملية الخروج، وقد نال المراكز الأولى في انتخابات البرلمان الأوروبي، وقد ينالها في بريطانيا لو تمت الانتخابات اليوم.
واضحٌ أن الخروج أصبح حقيقة، والذات البريطانية مصرّة على الوجود بكامل طيفها التاريخي والحضاري بشكل مفصول عن الكيان الأوروبي، ولكن الإرث الذي خلفته فترة الوحدة السابقة راكم تبعاتٍ كثيرة: ديون بريطانيا للاتحاد، ومشكلة الجمارك التي سترفع كثيراً من قيمة السلع الخارجة من بريطانيا والداخلة إليها، وشروط تنقل البريطانيين في أوروبا، ومسألة بقاء إيرلندا في الاتحاد التي ستعطي للمشكلة بعداً مذهبياً. كل هذه الإشكالات قابلة للحل، ولكن الفترة القصيرة المتاحة، وشخصية جونسون غير المحببة للجمهور، ووضعية حزب المحافظين المتأخرة، بحسب استطلاعات الرأي، ترشّح دخول عملية الخروج في مزيد من التعقيدات التي تشغل الحكومة، بما يعطي فرصة أكبر لأحزاب جديدة، مثل بريكست، للمضي إلى المراكز الأولى، وهو حزبٌ يحمل بنداً وحيداً، ولكنه مناسب لمرحلة بريطانيّة، ليس لديها إلا مشكلة سياسية وحيدة، تحتاج إلى مزيد من التضحية لبلوغ حلها.
شكَّل هاجس الخروج من الاتحاد الأوروبي حالة قلق بريطانية منذ الانضمام. لم يشعر سكان الجزر البريطانية بحاجة ماسّة إلى التكتل مع بقية أوروبا، ولكن رئيس الوزراء المحافظ، إدوارد هيث، أعلن الانضمام في وقت مبكر من السبعينيات، وجاءت المعارضة من حزب العمال، وتأكد الانضمام بصورة شعبية في استفتاء جرى عام 1975. ظلت المعارضة العمالية متواصلةً طوال عقدي السبعينيات والثمانينيات، وبدأت التحفظات اليمينية بالظهور، حين بدأ الاتحاد الأوروبي يأخذ أشكالاً أقوى وأمتن، وبعد اعتماد اليورو وحدةً نقدية موحدة. رفضت بريطانيا التخلي عن الجنيه الاسترليني، في خطوة تظهر الإحجام البريطاني عن التقارب الجدي والكامل مع أوروبا. تعالت بعد ذلك الأصوات في حزب المحافظين ضد الاتحاد الأوروبي، رافقها تململ شعبي أيضاً وصل إلى إعلان الخروج النهائي تحت قيادة محافظة.
جونسون الذي اختاره المحافظون، الأسبوع الماضي، لقيادة حزبهم تقع على عاتقه هندسة عملية الخروج، وقد يضطر للخروج عشوائياً من دون هندسة، كما يقول. وكان قد استقال في السابق من حكومة ماي لرفضه إملاءات أوروبا في الخروج، وفضَّل الجلوس في مقعدٍ بعيد، مستفيداً من المتاهة التي وضعت تيريزا نفسها فيها، حتى وجد نفسه في المقدّمة. ولكن استطلاعات الرأي لا تضع جونسون، ولا حزبه (المحافظين)، في المركز الأول، فمزاج الشارع يختلف عن تشكيلة البرلمان البريطاني، وقد أنتج المخاض العسير لمعركة الخروج من أوروبا حزباً جديداً اسمه بريكست، تبدو كل أهدافه ومنطلقاته موجهة لعملية الخروج، وقد نال المراكز الأولى في انتخابات البرلمان الأوروبي، وقد ينالها في بريطانيا لو تمت الانتخابات اليوم.
واضحٌ أن الخروج أصبح حقيقة، والذات البريطانية مصرّة على الوجود بكامل طيفها التاريخي والحضاري بشكل مفصول عن الكيان الأوروبي، ولكن الإرث الذي خلفته فترة الوحدة السابقة راكم تبعاتٍ كثيرة: ديون بريطانيا للاتحاد، ومشكلة الجمارك التي سترفع كثيراً من قيمة السلع الخارجة من بريطانيا والداخلة إليها، وشروط تنقل البريطانيين في أوروبا، ومسألة بقاء إيرلندا في الاتحاد التي ستعطي للمشكلة بعداً مذهبياً. كل هذه الإشكالات قابلة للحل، ولكن الفترة القصيرة المتاحة، وشخصية جونسون غير المحببة للجمهور، ووضعية حزب المحافظين المتأخرة، بحسب استطلاعات الرأي، ترشّح دخول عملية الخروج في مزيد من التعقيدات التي تشغل الحكومة، بما يعطي فرصة أكبر لأحزاب جديدة، مثل بريكست، للمضي إلى المراكز الأولى، وهو حزبٌ يحمل بنداً وحيداً، ولكنه مناسب لمرحلة بريطانيّة، ليس لديها إلا مشكلة سياسية وحيدة، تحتاج إلى مزيد من التضحية لبلوغ حلها.