احتفل متحف الفن الإسلامي في الدوحة، بالذكرى العاشرة لتأسيسه، بإقامة معرض "سوريا سلاماً". ويفتح المعرضُ أبوابه حتى 30 إبريل/ نيسان المقبل. ويستعرض المعالم الأثرية والتراث الثقافي السوري، الأمر الذي يعكس التزام "متاحف قطر" بحماية التراث الثقافي الفريد لسورية. وحول دلالات ذلك، والرسالة التي يود أن يوجهها المتحف في ذكراه العاشرة من الاحتفال بالتراث السوري، وأبرز انشطة المتحف القادمة، أجرت "العربي الجديد"، حواراً مع مديرة متحف الفن الإسلامي ومنسقة معرض "سوريا سلاماً"، جوليا غونيلا.
ما هي دلالات تسمية المعرض "سوريا سلاماً"؟
يأتي المعرض في ظل واقع مرير تعيشه سورية جراء الحرب التي تدور رحاها على أراضيها، ومعاناة يتجرع آلامها الشعب السوري، سواء هؤلاء الذين يعيشون في الداخل السوري، أو من أُجبروا على الرحيل بسبب الصراع. الوضع صعب في سورية، ولا يخفى على أحد. ومن هنا جاءت فكرة هذا المعرض الذي يُبرز حضارة الأمة السورية بفنونها وثقافتها على مر التاريخ، وفي القلب منه العصر الإسلامي، لنُقدِم بذلك، أولاً، تحية تقدير واحترام لهذا البلد العريق الذي أنتج تراثاً يستحق أن ننظر له بعين التبجيل. وثانياً، لنرسل رسالة إلى العالم، ونُلفت انتباه الجميع إلى أن كل ما في هذا البلد يستحق أن ينعم بسلام. سلام لأراضيه، وسلام لأبنائه، وسلام لتراثه وتاريخه وثقافته وحضارته.
هل ثمة رابط بين معرض "سوريا سلاماً" والذكرى العاشرة لتأسيس متحف الفن الإسلامي؟
متحف الفن الإسلامي، هو متحفٌ يوثق تاريخ الفنون الإسلامية على مدار أكثر من 1400 عام. والحديث عن الحضارة الإسلامية وتاريخها دون ذكر سورية، هو حديث منقوص: فلا يمكن إغفال سورية عند الحديث عن الحضارة الإسلامية، فهي حاضرة بقوة في التاريخ الإسلامي، وبصْمَتها لا يستطيع أن ينكرها عاقل. فقد كانت يوماً عاصمة للخلافة الإسلامية، وحتى قبل الإسلام، كانت سورية مهداً لحضارات كثيرة قديمة، فهي بلد زاخر بألوان فنيّة شتّى، وآثار وشواهد تنطق بحضارة هذا البلد وثرائه الثقافي. وعندما أردنا اختيار نموذج ثقافي فني حضاري ينوب عن العالم الإسلامي بأقطاره المختلفة وأراضيه المترامية، اخترنا الحضارة السورية الإسلامية لهذه الأسباب التي أوردتها سلفاً، ولتكون خير معبر في احتفال متحف الفن الإسلامي بذكراه السنوية العاشرة.
ما هي أبرز المعروضات، وهل هناك قطع قدمت من سورية؟
يضم المعرض بشكل عام، أكثر من 100 قطعة فنية سورية تعود لفترة ما قبل الإسلام، ولوحات لمستشرقين، وصورا فوتوغرافية، إلى جانب مقتنيات إسلامية سورية نفيسة، منها نسخ قرآنية قديمة، ومخطوطات تعود للقرون الوسطى، وأعمال زجاجية وخزفية ومنسوجات وبلاط ملوّن. كما يقدم المعرض أعمالاً خشبية تم ترميمها في الآونة الأخيرة، كانت تتزين بها البيوت الدمشقية. وأُخذت قطع المعرض على سبيل الإعارة من مجموعات متاحف قطر ومن مكتبة قطر الوطنية ومتحف الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني، إلى جانب بعض المجموعات الخاصة. واستكملت المجموعة بقطع من متحف "هيرميتاج" في سانت بطرسبرغ، ومتحف اللوفر في باريس، ومتحف فنون الشرق الأدنى القديم في برلين، ومكتبة برلين الوطنية، والمكتبة البريطانية، ومتحف الآثار التركية في إسطنبول. ومن أهم المحتويات التي يضمها المعرض، أيضاً، منحوتة من البازلت لطائر جارح تنتمي لمنطقة تل حلف الأثرية في شمال سورية، ويرجع تاريخها إلى مطلع القرن التاسع قبل الميلاد (متحف فنون الشرق الأدنى القديم في برلين). ونحتٌ نافرٌ عليه رسم لجملٍ في مدينة تدمر، يعود تاريخها للنصف الأول من القرن الثالث الميلادي (مجموعة مؤسسة الشيخ سعود بن محمد آل ثاني). ولوحات من مجموعة المستشرقين في متاحف قطر تشمل لوحة "الكرفان الكبير في تدمر"، والتي رسمها الفنان لوي- فرانسوا كاساس (1766-1827) حوالي عام 1785 ميلادي، ولوحة "دمشق" التي رسمها الفنان إدوارد لير (1812-1888) حوالي عام 1860. و"مزهرية كافور" التي تنتمي إلى مجموعة صغيرة من الأواني الزجاجية الزرقاء البنفسجية المطلية بالذهب والمينا المصنوعة في سورية أو مصر في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي (مجموعة متحف الفن الإسلامي). ودورق أزرق مُذهّب صُنِع في أواسط القرن الثاني عشر الميلادي تقريبًا، فيما يعرف اليوم بمدينة الرقة السورية الواقعة على نهر الفرات شمال شرق البلاد أو على مقربة منها (مجموعة متحف الفن الإسلامي).
ماذا عن نشاط المتحف منذ التأسيس إلى اليوم؟
الحديث عن نشاط المتحف تفصيلاً طيلة هذه المدة، يحتاج أن نُفرِد له صفحات مطوَّلة. ولكن بوجه عام، ركّزت أنشطة المتحف طيلة عقدِه الأول على عدة محاور مهمة، تهدف إلى تحقيق رؤيته بأن يكون مركزاً للمعرفة، ومصدر إلهام ينير العالم الإسلامي، ومن أبرز هذه المحاور: الاستكشاف والتعليم. أما الاستكشاف فكان عن طريق مقتنياتنا وعشرات المعارض التي ننظمها على مدار العام، ونختار موضوعاتها بعناية لنسلّط الضوء على عصور إسلامية مختلفة على امتداد أكثر من 1400 عام. وأكثر ما يميز هذه المعارض، جودة موضوعاتها وابتكارها وخروجها عن نمط الموضوعات التقليدية واهتمامها بتفاصيل دقيقة في الحضارة الإسلامية. والهدف من ذلك، هو إبقاء الحضارة الإسلامية متقدة في نفوس شعوبنا عبر التعرف على فنون أجدادهم وافتخارهم بها. والأنشطة لم تتوقف على حد المعارض والمقتنيات فحسب. بل من أهم المحاور التي اهتممنا بها محور التعليم والتثقيف. فلا يكاد يخلو معرض من جدول مصاحب يضم العديد من المحاضرات والورش التعليمية وخلافها من وسائل التعليم والتثقيف التي توصل للجمهور بطرق عملية فكرة المعرض ومحتواه وترسّخها في أذهانهم حتى لا يكون المعرض مجرد وسيلة للترفيه فقط. وبخلاف الأنشطة التعليمية المصاحبة للمعارض، نظمنا، ولا نزال، مئات الأنشطة التفاعلية للكبار وللعائلات وللأطفال وجولات لطلاب المدارس تجمع بين التعليم والترفيه حول موضوعات تعزز ارتباط المشاركين أيضاً بالحضارة الإسلامية. وفوق ذلك كله، حوّلنا متحف الفن الإسلامي بتصميمه البديع، وحديقته الغنّاء الشاسعة، إلى مزار ثقافي وترفيهي لجميع مقيمي الدوحة وزائريها.