بدأ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، جولة في منطقة الشرق الأوسط، تشمل ثمانية بلدان هي الأردن، مصر، السعودية، قطر، الإمارات، الكويت، البحرين، سلطنة عمان، وفجأة أضاف إليها العراق، ثاني محطة بعد البداية من الأردن، وقبل الوصول إلى مصر التي ألقى فيها خطاباً من على منبر الجامعة الأميركية في القاهرة، لخّص فيه أهداف الجولة، والخطوط العريضة والتوجهات الأميركية للمرحلة المقبلة.
قبل تسليط الضوء على أهم ما تضمّنه خطاب بومبيو، تجدر إثارة ملاحظتين أساسيتين في الشكل والمضمون: الأولى؛ أنّ إسقاط إسرائيل من جولة الوزير، أمر ليس من دون رسالة ذات مضامين سياسية قوية.
والثانية؛ أنّ اقتصار الزيارة على بلدان مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى الأردن ومصر، ومن ثم العراق لاحقاً، يعطف نفسه على الحديث السابق عن تشكيل حلف أمني في مواجهة إيران باسم "الناتو العربي"، وهو ما تم ترويجه خلال القمة التي شهدتها الرياض، في مايو/أيار 2017، وجاءت أزمة حصار قطر لتطوي صفحته.
وعاودت الإدارة الأميركية إحياء الفكرة، في الخريف الماضي، وقالت إنّه سيتم إعلانها تحت مسمى "التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط"، في شهر يناير/كانون الثاني الحالي.
جرى النظر إلى جولة الوزير بومبيو على أنّها ليست عادية، وسوف تكون مختلفة عن جميع التحركات التي قام بها مسؤولون أميركيون في عهد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال أكثر من عامين، وما أعطاها أهمية مباشرة هو إعلان ترامب عن سحب القوات الأميركية من سورية في اتجاه العراق، ومن ثم تراجعه عن الانسحاب السريع وإبطاء الوتيرة، وترتب على ذلك خلط للأوراق في منطقة شمال وشرق سورية، وإعادة التوتر إلى العلاقات التركية الأميركية التي شهدت انفراجاً كبيراً، خلال الفصل الأخير، بعد أزمة الصيف الماضي.
أعلن بومبيو من القاهرة أنّ الولايات المتحدة تعمل على "إقامة تحالف استراتيجي في المنطقة لمواجهة الأخطار"، وحدّد هذه الأخطار من خلال دعوة الدول الشريكة إلى "مواصلة العمل لاحتواء أنشطة إيران الخبيثة، ومنعها من نشر الإرهاب في العالم".
وفي ما يشبه المراجعة لسياسة الإدارة الاميركية السابقة، وجّه اتهامات إلى الرئيس السابق باراك أوباما، محمّلاً إياه مسؤولية "نشر الفوضى في الشرق الأوسط"، جراء فشله في التصدي للمتشددين الإسلاميين بشكل مناسب، على حد تعبيره.
واستعرض بومبيو استراتيجية إدارة ترامب التي تقوم على "طي صفحة أوباما"، وقال إنّ "الرئيس الديمقراطي السابق أساء فهم الشرق الأوسط وتخلّى عنه فعلياً"، واللافت أنّه لم يذكر أوباما بالاسم وإنّما أشار إليه بأنّه "أميركي آخر"، ألقى كلمة في جامعة القاهرة عام 2009. وأفصح بومبيو عن توجه الإدارة، قائلاً "أخبركم بأنّ الولايات المتحدة والعالم الإسلامي يحتاجان إلى بداية جديدة".
بغض النظر عن مدى صواب الاستراتيجية الأميركية، التي صار واضحاً أنّها تقوم على محاربة إيران وعزل تركيا، فإنّ نقطة البداية فيها لا تبدو أنّها تقف على أسس صحيحة، فالوزير بومبيو بعدما شخّص الوضع في الشرق الأوسط، وضع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مكانة الشريك الاستراتيجي، وهذا أمر لا يستقيم مع أي جردة لحصيلة سنوات السيسي الذي فشل على كافة المستويات.
والأمر الثاني هو إغفال القضية الفلسطينية من الحساب، وهذا يعني أنّ "صفقة القرن" التي كانت بدايتها نقل السفارة الأميركية إلى القدس، هي المشروع الوحيد الذي تحمله الإدارة الأميركية.
إنّ طيّ صفحة أوباما، لا يقوم على تعميق الشراكة العسكرية وصفقات السلاح بمليارات الدولارات، وليس بهذه الطريقة تتم مواجهة الإرهاب ومطامع إيران في المنطقة، وتدرك الإدارة الأميركية أنّه ليس بالجيوش وحدها يمكن وضح حد للفوضى في الشرق الأوسط.
إنّ ما تحتاجه المنطقة هو مقاربة أميركية أخرى تقوم على لعب دور مختلف؛ تكون البداية فيه وقف الانهيار في سورية، ولن يتم ذلك إلا بإنهاء حكم آل الأسد، وعودة المسار الديمقراطي في مصر، والضغط من أجل تصحيح العلاقات داخل مجلس التعاون الخليجي، ومنع السعودية والإمارات من تخريب المجلس الذي شكّل، خلال عدة عقود، ضمانة لصيانة وحماية البيت الخليجي في وجه الأطماع الإيرانية.