وسط محاولات الاحتلال والنظام السوري لتوظيف الحوادث التي تعرّض لها دروز سورية كل وفق مصلحته: الاحتلال بغرض الادعاء بحمل رايتهم، والنظام السوري لتحريضهم على المعارضة، كشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، عن جهود واتصالات للقيادات الدرزية في الداخل الفلسطيني، مع جهات إسرائيلية وعربية ولبنانية لاحتواء الأزمة ومنع زجّ دروز فلسطين والجولان في الحرب السوريّة.
اقرأ أيضاً: "الائتلاف" و"أحرار الشام" و"فيلق الشام" يتعهدون بحماية الدروز
وقال مصدر من الداخل الفلسطيني مقرب من القيادات الدينية الدرزية، لـ"العربي الجديد"، إنّ القيادات الدرزية في الداخل الفلسطيني، تعمل على مدار الساعة من أجل "تهدئة الأوضاع، ومنع تفاقم عمليات التضليل التي تقوم بها جهات مغرضة، بما في ذلك عناصر داخل الجولان محسوبة على النظام السوري، تحاول الزجّ بدروز الداخل ودروز الجولان في أتون الحرب الدائرة في سورية، عبر توريطهم وإظهارهم كمن ينتظرون تدخلاً عسكرياً إسرائيلياً، أو على الأقل توريط دروز الجبل في حوران مع محيطهم العربي وإفشال التفاهمات القائمة مع "جبهة النصرة" وفصائل المعارضة السورية، لجرّهم إلى دعم قوات النظام السوري بأي ثمن".
وأشار المصدر الذي فضّل عدم نشر اسمه، إلى أن "القيادات الدرزية في الداخل الفلسطيني تعمل على أكثر من صعيد، بما في ذلك عبر إجراء اتصالات مكثفة مع سفارات أجنبية، ومع الأردن والزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، لترسيخ تفاهمات تم التوصل إليها مع "جبهة النصرة" وقوات المعارضة السورية، يأتي في مقدّمتها أن يتولى الدروز في السويداء بأنفسهم مواجهة عناصر النظام السوري، من دون أي تدخل من قوات المعارضة السورية".
اقرأ أيضاً: أبناء السويداء يهجرون قوات النظام بعدما نكث بعهده
في المقابل فإن إسرائيل، وبحسب المصدر نفسه، تعمل باتجاه "معاقبة دروز جبل حوران" لرفضهم "وصايتها عليهم، وتعمل أيضاً من أجل تأجيج الشائعات التي راجت في الأيام الأخيرة في القرى العربية الدرزية في الداخل الفلسطيني حول حجم الخطر الذي يتهدد القرى الدرزية في سورية من قوات "جبهة النصرة". مع العلم أن القيادات الدرزية في الداخل، ترى أن تعزيز التفاهمات مع "جبهة النصرة" وبقية قوات المعارضة، هي عنوان المرحلة المقبلة للحفاظ على علاقات الدروز في جبل حوران مع محيطهم السوري.
وأضاف المصدر نفسه أن القيادات الدرزية في الداخل الفلسطيني لا تريد أي تدخل عسكري إسرائيلي لا في سورية ولا في غيرها، وأن أي تحرّك من هذا القبيل سيعود بالضرر، في نهاية المطاف، على الدروز في سورية، وبالتالي، فإنه تم نقل رسائل لجهات إسرائيلية وأخرى عربية، بما فيها السعودية والأردن، تطلب الإبقاء على تفاهمات واضحة وممر إنساني للمساعدات الطبية والإنسانية والغذائية من وإلى حوران، مع لعب دور يعزّز التحالف المستقبلي مع "جبهة النصرة" بما يكفل الأمن والاستقرار في حوران.
يأتي ذلك في وقت لم تيأس إسرائيل فيه من محاولات دق الأسافين بين دروز جبل العرب في حوران من جهة، وفصائل المعارضة السورية من جهة ثانية، وذلك عبر تأجيج مشاعر الغضب لدى الدروز في الداخل الفلسطيني تارة، والتلميح غير الرسمي لاحتمال تدخّل إسرائيل لصالح الدروز في سورية، تارة أخرى، وفق ما تدّعيه بـ"حلف الدم" مع دروز فلسطين. لكنها سرعان ما تنصلت من أحداث حرفيش ومجدل شمس عندما تعرض عشرات الدروز الغاضبين لسيارة إسعاف عسكرية كانت تنقل جرحى سوريين.
وأعرب قادة الاحتلال، وفي مقدّمتهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، موشيه يعالون، عن أنهما لن يسمحا بالفوضى، رافضين اعتراض سيارات الإسعاف العسكرية أو مركبات الجيش. وكتب نتنياهو في تغريدة له على "تويتر" أن "مهاجمة سيارة الإسعاف العسكرية في هضبة الجولان (المحتلة) حدث خطير، لن نسمح لأحد بأن يطبق القانون بنفسه، ولن نسمح لأحد بعرقلة جنود إسرائيل أثناء تأديتهم عملهم، وسنحاسب المخلين بالقانون. إنني أدعو قادة الدروز لتهدئة الأوضاع".
واستخدم نتنياهو في معرض استنكاره لحادثة اعتراض سيارات الإسعاف، تعبير تطبيق القانون للإيحاء بأن هناك ما يجب فعله لتطبيق القانون، لكن يجب أن يأتي ذلك من السلطة. وشكل هذا التصريح رد فعل على الأحداث التي شهدتها قرية مجدل شمس وقبلها قرية حرفيش، وسط ترويج الصحافة الإسرائيلية للغضب العارم في صفوف الدروز في الداخل الفلسطيني مما يحدث في سورية ونشر تصريحات لدروز ممن يخدمون وخدموا في جيش الاحتلال، يدعون إلى منع دخول الجرحى السوريين إلى الداخل لتلقي العلاج.
وبدا الإعلام الإسرائيلي متعاطفاً مع الغضب الدرزي و"الإحباط من عدم تدخل إسرائيل لصالح دروز سورية"، أو تسهيل الاحتلال للعبور إلى الأراضي السورية لمن يرغب من الشباب الدروز، إلى أن جاءت حادثة مجدل شمس أول من أمس لتقلب الإعلام الإسرائيلي على نغمة واحدة ضدّ عملية الاعتداء على سيارة الإسعاف العسكرية والتعرض للجرحى.
وشدد الإعلام الإسرائيلي في هذا السياق على الفرح الذي أبداه إعلام النظام في سورية وتهليله للعملية، معتبراً أن الاستخبارات السورية حرضت أهالي الجولان ضد الجرحى الذين يتلقون العلاج في فلسطين المحتلة. كما أبرز الإعلام نبأ وجود "مخاوف وتكهنات" حول ملابسات تسريب معلومات عن تحرك سيارة الإسعاف العسكرية، وما إذا كان بعض الشباب الدروز الذين يخدمون في جيش الاحتلال وراء تسريب هذه المعلومات، مما سمح بإعداد كمين للسيارة العسكرية في مجدل شمس.
في المقابل، سارعت القيادات الدينية والاجتماعية للدروز في الداخل الفلسطيني إلى استنكار الاعتداء على سيارة الإسعاف، ورفض العملية جملة وتفصيلاً، مع التأكيد في الوقت نفسه، بحسب البيان الذي تلاه الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في الداخل، الشيخ موفق طريف، على أنه "يخطئ من يظن أن مثل هذه الأعمال تحقق مطلباً ولو بسيطاً أو أنها تعود بالفائدة على الإخوان في سورية. بل على العكس من ذلك، قد تؤدي هذه الأعمال إلى ظواهر سلبية من شأنها أن تجلب المضرّة لإخواننا". ولفت البيان إلى أن "هناك من يحاول أن يشقّ الطائفة الموحدة في البلاد عبر ترديد ونشر شائعات هدفها خلق البلبلة وإحداث خلافات. دعونا نفوت الفرصة عليهم، وندعو شبابنا إلى عدم الاستماع لنداءات التحريض".