في هذا الصدد، اعتبر كبير مفاوضي وفد المعارضة محمد صبرا، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "قرارات مجلس الأمن الدولي، والشرعية الدولية واضحة في تأييد مطالب السوريين، وحقوقهم". كما ذكر أحد مستشاري وفد المعارضة لـ "العربي الجديد"، أن "الوفد لم يتلق جدول أعمال التفاوض من قبل مكتب الموفد الأممي"، مشيراً إلى أن "الوفد قام بتحضير كل أوراقه التفاوضية إثر اجتماعات مكثفة على مدى أكثر من أسبوع في العاصمة السعودية الرياض".
ونوّه المصدر إلى أنه "لا إمكانية لحلّ سياسي في سورية من دون انتقال سياسي حقيقي ينقل البلاد من الحكم الفردي الاستبدادي إلى حكم ديمقراطي تعددي"، مضيفاً أنه "لا بدّ من تغيير جذري يطاول بنية النظام الذي أثبت عجزه عن القيام بإصلاحات ترضي السوريين". وأبدى ألمه "من محاولات منصتي القاهرة وموسكو شقّ صف المعارضة وتشتيت تمثيلها من أجل خدمة مشروع يناقض تماماً مشروع هذه المعارضة التي أثبتت سعيها نحو حل سياسي"، مضيفاً أنه "حتى الفصائل العسكرية انضوت في الوفد في رسالة واضحة على استحالة الحسم العسكري، وأن إنقاذ سورية أولوية لدى هذه الفصائل، ولكن من دون التخلي عن الثوابت".
وشدد المصدر على أن "الهيئة العليا للمفاوضات هي المرجعية الوحيدة لوفد المعارضة، ومحاولات القاهرة، وموسكو خلق مرجعيات أخرى لن تجدي نفعاً، والأمم المتحدة تدرك ذلك". ولفت إلى أنه "من الممكن أن تصدر مخرجات عن جنيف لن تكون لها شرعية ومصداقية من دون موافقة وفد المعارضة عليها".
من جهته، أكد مكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا، أمس الثلاثاء، أن "عملية الانتقال السياسي في سورية ستبقى محور جولة المفاوضات الجديدة"، بعد شكوك حول ابتعاد الأمم المتحدة عن هذا الهدف إثر تصريحات عدة لدي ميستورا سبقت المفاوضات، ولم يأت فيها على ذكر عملية الانتقال السياسي على غير عادته. وكشف مايكل كونتت، مدير مكتب دي ميستورا، للصحافيين أمس، في جنيف أن "قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي ينصّ على عقد مفاوضات بشأن عملية انتقال سياسي يبقى الأساس للجولة الجديدة". وأوضح أن "المفاوضات ستتركز حول ثلاثة مواضيع أساسية: إنشاء حكم ذي مصداقية ولا يقوم على الطائفية، وتحديد جدول زمني لصياغة دستور جديد، فضلاً عن إجراء انتخابات".
في هذا السياق، حاول النظام حصر هذه المفاوضات في إطار محاربة "الإرهاب"، بعيداً عن الدخول في قضايا جوهرية، فيما شدّدت المعارضة على أن "سلطة بشار الأسد وفّرت البيئة المثالية للإرهاب، وأنه لا يمكن الحديث عن استراتيجية ناجحة ومتكاملة لمحاربة الإرهاب ما دام الأسد في السلطة". ولن تكون مدينة جنيف مكاناً للمفاوضات فحسب، بل ميدان صراع بين إرادات إقليمية ودولية عدة على حاضر ومستقبل البلاد، المعرّضة لتقسيم حذّر منه أحد مستشاري المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا. وبدأ هذا الصراع يتجلى أكثر، وشهد تصعيداً لافتاً قبيل جنيف 4، خصوصاً بين إيران، أكبر الداعمين لبشار الأسد من جهة، وبين تركيا والسعودية أكبر الداعمين للمعارضة السورية ومشروعها الوطني الهادف إلى إنقاذ سورية من خلال التوصل لاتفاق سياسي لا يكون بشار الأسد جزءاً منه.
ولاحت نذر أزمة دبلوماسية بين أنقرة وطهران، على خلفية تصريحات لوزير خارجية تركيا، مولود جاووش أوغلو، في مدينة ميونخ الألمانية، قال فيها إن "إيران تريد تحويل سورية والعراق إلى المذهب الشيعي"، وهو ما دفع الخارجية الإيرانية للقول إنها "ستتحلى بالصبر إزاء التصريحات التركية، ولكن للصبر حدود". ومن المتوقع انعكاس التوتر الدبلوماسي بين أنقرة وطهران على مفاوضات جنيف 4، وما قد يفشل المساعي لتحقيق تقدم فيها. وشدّدت المعارضة على أنها "ذاهبة إلى جنيف 4، وهي أكثر إصراراً على أن بشار الأسد، وأركان حكمه هم المشكلة، ولا يمكن أن يكونوا جزءاً من أي حل".
وأجرت المعارضة تغييراً جوهرياً على وفدها في رسالة واضحة، على رغبة أكيدة على التوصل لحلّ سياسي وفق بيان جنيف 1، والقرار الدولي 2254، على قاعدة تشكيل هيئة حكم تنتقل إليها صلاحيات رئيس الجمهورية، ومنوط بها إدارة مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات وفق دستور جديد.
وطلبت المعارضة مفاوضات مباشرة مع وفد النظام، للدخول مباشرة في صلب العملية التفاوضية وهو الانتقال السياسي وفق بيان جنيف1 الذي يعد أهم مرجعيات التفاوض. وحاولت المعارضة من خلال فرض التفاوض المباشر تعرية النظام، وتأكيد عدم رغبته في التوصل لتسوية، كما سعت لقطع الطريق أمام وفد النظام لإغراق العملية التفاوضية بالتفاصيل لـ "قتل" الوقت، وتمديد أمد التفاوض في الوقت الذي تقوم به مليشيات طائفية بتصعيد ميداني كبير، وارتكاب مجازر للضغط على المعارضة من أجل تعليق التفاوض. وأبدت اعتقادها بأن "لديها ما يخوّلها التفاوض من موقع قوّة، وأن التصعيد العسكري الكبير الذي تقوم به قوات النظام، والمليشيات الطائفية لن يدفعها إلى القبول بحلول جزئية تحت ذريعة إيقاف المذبحة بحق السوريين".
ويضمّ الوفد المعارض عدداً من قادة الجيش السوري الحر الذين خاضوا معارك مع قوات النظام، والمليشيات الطائفية على مدى سنوات، وهو ما أكسب الوفد مصداقية كبرى لدى الشارع السوري المعارض، وأوضح رغبة المعارضة بشقيها السياسي والعسكري في انهاء الصراع الدامي، وتخفيف معاناة السوريين. ورأى أحد الضباط المعارضين المشاركين في الوفد في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المعارك التي خاضها ضد قوات النظام أسهل، وأكثر جدوى من المفاوضات، ولكن لا بد من العمل السياسي".
وأدركت المعارضة جيداً أن النظام وحلفاءه غير جادين بالمطلق في تحقيق حل سياسي ذي مصداقية وفق ما نصت عليه قرارات دولية، ولم يظهر أي رغبة في ذلك، ولم يتقدم خطوة باتجاه المعارضة، بل يصر في خطابه الإعلامي على وصف معارضيه بـ "الإرهابيين"، وهو ما أكد أن هدفه من المفاوضات إطالة عمر الصراع لقضم ما تبقى من أراض بيد المعارضة. ورفع النظام قبيل أيام من جنيف 4 سقف تحديه لإرادة المجتمع الدولي، بعد ادّعاء فيصل المقداد نائب وزير الخارجية في حكومة النظام أن "الأخير بات يمتلك اليد العليا في العملية السياسية بعد السيطرة على أكبر مدن الشمال السوري".
وأبرزت صحيفة "الوطن" الموالية تصريحات المقداد لوكالة أنباء إيرانية، التي أشار فيها أيضاً إلى أن "السيطرة على حلب سوف ينعكس حتماً على الساحة الدبلوماسية والسياسية". وأكد المقداد أن "السعي لحلّ سياسي في سورية ليس من أولويات نظامه، بل إن الأولوية تكمن في القضاء على الإرهاب". وذلك في مسعى لحرف المسار التفاوضي والقفز فوق قرارات دولية تدعو إلى تحقيق انتقال سياسي في سورية، يعارضه النظام، ويطرح بدلاً عنه "حكومة وحدة وطنية"، مع إمكانية تغيير الدستور، وهو ما تعتبره نسفاً لقرارات توافق عليها المجتمع الدولي.