جنيف-3: فرصة "الحل السياسي" تتحوّل إلى تهديد

03 ابريل 2014
الجربا على الجبهة في اللاذقية (getty)
+ الخط -

حملت الفترة الفاصلة بين نهاية الجولة الثانية من مفاوضات "جنيف-2"، بين النظام السوري والمعارضة، في 15 فبراير/ شباط الماضي، وإعلان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي كون، أول من أمس الثلاثاء، عن بدء التحضيرات لعقد جولة ثالثة من المفاوضات، العديد من المتغيّرات في المشهد المحلي أوّلاً، فالإقليمي والدولي تالياً.

وفي وقت يبدو من الطبيعي أن يكون لهذه المتغيّرات دوراً في إعادة تحديد مواقف طرفي الصراع السوري، وداعميهما، من مسألة ضرورة عقد الجولة الثالثة بحد ذاتها، ومن "جدول الأعمال"، فإن أسباباً كثيرة تدفع للاعتقاد بأن عقد جولة جديدة من التفاوض قد يشكّل تهديداً جديّاً لعملية "الحل السياسي"، على حساب اعتبارها فرصة لإنهاء الصراع.

ليس ثمّة جديداً لدى طرفي النزاع يمكن أن يُبنى عليه "توافق الحد الأدنى"، الذي يسمح بإطلاق مسار تفاوضي طويل يفضي إلى إنهاء الحرب، وهو ما يفترض أن يشكل الهدف النهائي للطرفين، مع ما يستلزمه ذلك من رؤية جديدة ومواقف جديدة لهما.
ويمكن القول إن جولة أخرى في جنيف، ستطرح على الطرفين تحدّي "الإنجاز الفعلي"، الذي ينعكس على الأرض بصورة مباشرة، ليمسّ حياة السوريين، فإن لم يحصل هذا الإنجاز، وهو ما ترجّحه المعطيات الراهنة، سيشكل الأمر "نكسة سياسيّة" تخصم من الرصيد العام لعملية التفاوض نفسها، بصفتها السبيل الوحيد الذي أقرّه المجتمع الدولي ومنظماته، والتي عوّل عليها الأمين العام للأمم المتحدة، كي يعيد إطلاق قطار جنيف مجدداً، بهدف حل الأزمة.

على ضفة النظام، ليس ثمّة ما يسوّغ الاعتقاد بوجود تغيير في رؤيته لموقفه من الصراع، وليس ثمّة تغييراً جدياً في ميزان القوى العسكريّة على الأرض يسمح بترجيح احتمال أن يقوم النظام بانسحاب "سياسي"، لا سيّما على ضوء الحديث المتكرر، على لسان مسؤوليه، وفي مقدّمتهم وزير إعلامه عمران الزعبي، عن مسألة إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، في يوليو/ تموز المقبل.

وعلى الرغم من "ضجيج" الميدان، والانتصارات التي حققها النظام في مناطق استراتيجية في ريف دمشق، فضلاً عن "الهدن" التي يسعى لإبرامها في دمشق نفسها، فإن معركة الساحل، التي أطلقتها المعارضة السوريّة في 21 مارس/ آذار، قد ألغت مفاعيل "النصر" في يبرود والقلمون والريف الغربي لحمص.

في المقابل، مثّل ظهور رئيس "الائتلاف الوطني" السوري المعارض، أحمد الجربا، بين مقاتلي المعارضة في منطقة الساحل، يوم الثلاثاء الماضي، مشهداً يمكن المعارضة السورية، العسكريّة والسياسيّة، أن تستثمره، بصورة جديّة، في مفاوضات الجولة الثالثة، في مقابل تسلّح النظام بـ"شرعيته الدمشقيّة"، في سبيل سعيه إلى اكتساب صورة الدولة والسلطة والشرعيّة، التي فقدها، بصورة كبيرة جداً، في عموم الأراضي السوريّة.

بهذا المعنى، يبدو أن المتغيّرات التي حملتها المواجهة الميدانية، خلال شهر ونصف الشهر، منذ انتهاء "جنيف-2"، تلغي بعضها بعضاً.

لهذا السبب، يربط مختلف المعنيين بإيجاد حل للأزمة السوريّة، مسألة تحقيق اختراق ما، بتغيّر في الموقف الدولي أو "الإرادة الدولية". وحين يدور الحديث عن "الإرادة" فحسب، فإن ذلك يحيل، مباشرة، إلى امتناع "التدخل" العملي.

بدا الأمر واضحاً مع ختام زيارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى السعوديّة، إذ عكس الموقف الأميركي الرافض لتزويد المعارضة السوريّة بأسلحة مضادة للطائرات، إرادة امتناع التدّخل، في وقت تبدو فيه روسيا، في نظر خصومها، "بلطجي العالم"، الذي سرق من الولايات المتحدة دورها السابق.

أمام حال الاستعصاء المحلي والإقليمي والدولي للأزمة السوريّة، لا يمكن التعويل كثيراً على أيّة نتائج فعليّة إذا عقدت الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف، هذا إن عقدت الجولة في الأصل، وهو أمرٌ يبدو بديهياً، بصورة مرحلية، نظراً لكون طرفي الصراع سيعيدان إنتاج الأزمة، عبر الوقوع في الإصرار على ثنائية "الإرهاب ـ الحكم الانتقالي"، وسط "ردح" متبادل.

أما التعويل على تغيير ما في الموقف الروسي، وهو ما تطلبه المعارضة، فيمكن النظر إليه باعتباره رفضاً مقنّعاً للتفاوض، إذ ليس ثمّة أي مبرر لدى روسيا، المزهوّة بنجاحها في قضم أراضٍ أوكرانيّة في مقابل انكسار غربي أمامها، يدفعها إلى "إنهاء مأساة الشعب السوري وتحقيق أهدافه في الحريّة والكرامة" كما يطلب "الائتلاف".

إن كان ثمّة نتيجة جدية تُنتظَر من "جنيف-3"، فهي لن تحدث في شوارع المدينة السويسرية أو فنادقها، ولكن، ربما، في قرى الساحل السوري.