جميعنا عنصريون

19 سبتمبر 2015

اعتصام في بيروت ضد العنصرية تجاه اللاجئين السوريين

+ الخط -

نشر كاتب سوداني صديق، مقيم في النمسا، في "فيسبوك" عن لقاء في التلفزيون النمساوي مع مجموعة من اللاجئين، يعترض فيه أحدهم على وضعهم في مخيم واحد مع "المتخلفين الهمج القادمين من مجاهل أفريقيا". لم يعلق الصديق، اكتفى بنقل المقابلة، ولم يسم جنسية اللاجئ، لكن أغلبنا، نحن الذين قرأنا وعلقنا على المنشور، افترضنا أنه سوري. شتمت تعليقات كثيرة على المنشور من العرب السوريين جميعاً، وأقرّت بأن الشعب السوري يستحق ما يجري له، كونه عنصرياً. اتهمت بعض تعليقات السوريين الصديق بالافتراء، فالسوري، بحسبهم، لا ينطق كلاماً كهذا. فضح منشور صديقي عن الذهنية العنصرية لدى شخص واحد الذهنية نفسها لدى كثيرين، فالتعميم على شعبٍ بأنه يستحق ما يجري له، واتهامه كاملاً بالعنصرية، عنصرية. دفع الاتهام عن شخص لأنه سوري عنصرية، تفترض السوريين شعباً مثالياً خالياً من الأمراض الاجتماعية السارية!

تم تداول صورة مع تعليق على "فيسبوك" لزفاف شاب مصري على فتاة كينية، يمدح التعليق المرافق الشاب الذي رأى روح الفتاة فأحبها، فتغاضى عن لون بشرتها الأسود. كُتب التعليق بنية طيبة، لكنه فضح عنصرية كامنة وراءه، فلون البشرة الأسود يمكن التغاضي عنه، أحياناً، إذا كان صاحبه شخصاً لطيفاً! يمكننا أن نسرد سيراً وحكايات عن الذهنية العنصرية في مجتمعاتنا العربية، وعن العقل العربي المبرمج على الاستعلاء الفلكلوري القطيعي، فالفستق السوداني يسمى في بلاد الشام فستق العبيد. وتسمى حلوى شهيرة في بلاد الشام؛ كرة من الكريما مغطاة بطبقة من الشوكولا السوداء، رأس العبد. في مصر (الأفريقية)، والتي أكثر من نصف سكانها من ذوي البشرة السمراء الغامقة، غالباً ما يتم التعامل مع غامقي البشرة بوصفهم درجة ثالثة في المجتمع، وهؤلاء ليسوا أكثر من "بوابين"، على ما قال صحافي شهير بحق أحد أهم لاعبي كرة القدم المصريين، بسبب خلاف سياسي.

سير كثيرة أخرى تفضح العقل العنصري العربي. تذكّروا التعامل مع الآسيويات والأفريقيات المستخدمات في البيوت لدى الأسر العربية. تذكّروا التعامل مع الهنود والباكستانيين في دول الخليج. لنتذكّر، نحن السوريين، الاستعلاء المديني على الريف، واستعلاء مدن المركز على مدن الهوامش، واستعلاء الأقليات المذهبية التي ترى التميّز والنخبوية فيها لمجرد أنها أقلية، على الأكثرية المتنوعة اجتماعياً. لنتذكّر استعلاء العروبة، بوصفها قومية، على باقي القوميات الأصغر. لنتذكر استعلاء الإسلامويين على غيرهم من باقي الأديان، كون أمة الإسلام "خير أمة أخرجت للناس". لنتذكّر الاستعلاء الطبقي الممارس ضد الفقراء، والذي يصب كله في مصب العنصرية، عنصرية اللون والدين والمذهب والمنبت والقومية والطبقة الاجتماعية والوظيفية.

ترافقنا الذهنية العنصرية منذ الصغر، في كل لحظات حياتنا، نلقن بها اجتماعياً وسياسياً، وتصبح من المسلمات التي لا تدخل مجال المحاكمة العقلية. وبالتالي، لا نراها بوصفها هكذا، ننتبه إليها لدى الآخرين، نراها عندهم وننتقدها ونشتمها، وكأننا بشتمها ندفعها عنا، ونغيّبها أكثر في اللاوعي الخاص بنا! وبالتأكيد، هي ليست صفة خاصة بالعرب والمسلمين، يبدو أنها صفة بشرية عامة، غير أن الشعوب الأخرى استطاعت تجاوزها، في نضالات مريرة وحروب طويلة وتضحيات هائلة. مع ذلك، لم تتخلص منها نهائياً، فما زالت القومية الأوروبية اليمينية تمد رأسها لتظهر بخطابات أو بأعمال عنفية ضد المهاجرين من بلاد العالم الثالث. وما زالت العنصرية ضد السود في أميركا وضد بقايا الهنود الحمر، على الرغم من كل الجهد الثقافي والسياسي لإلغائها، وهي لن تزول نهائياً حتماً، لا في أوروبا ولا في غيرها، ما دامت مافيات رأس المال العالمي مسيطرة على العالم، مافيات التجارة غير المشروعة، السلاح والمخدرات والبشر. هذه المافيا تحتاج الذهنية العنصرية اللازمة لاستمرار وجودها، فمعظم الحروب الأهلية جذرها الأول العنصرية بأشكالها المتعددة، معظم الحروب الكبرى أيضاً، الحروب الباردة حتى. ثمّة هذه الاستعلائية المتفوقة التي ترى الآخرين بلا قيمة، ويستحقون الفناء. انتبهوا، أيها السادة، قبل اتهام أحد بالعنصرية إلى أننا نشبهه.

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.