جمهوريات الموز العربية

07 مارس 2019
العنف في دمشق طغى على العقل العربي (محمد النجار/Getty)
+ الخط -



لم تتعرّض جماعة بشرية لاتهامات جماعية بـ"العمالة والخيانة"، كما يتعرّض لها العربي في أوطانه. فمنذ تحركه المدني قبل أعوام، تكثف احتقار الأنظمة للعقل، ولكل منطق سليم، بتهم لا تتوقف. ففي فبراير/شباط 2011، قبل الثورة بأيام، وبعيد الهتاف الجماعي في دمشق بـ"الشعب السوري ما بينذل (لا يُذل)"، ومطالبة النظام السوري، الناس بـ"التوقف عن هتاف الكرامة"، انطلق خطاب تهمة العمالة الشاملة، ينهل من ثقافة نظام الاستبداد العربي، لارتباطه النفسي، ربما، بجذور نشأته الذاتية في علاقاته مع الخارج.

لا تُنسى سلسلة الاستهزاء بعقولنا، لا في قهقهة الديكتاتور على وقع دماء ضحايا درعا، باتهام شعبه بالعمالة بـ"رسائل نصية إسرائيلية"، ولا باستحضار مستشاريه السريع للمذهبية والطائفية، ولا خزعبلات "مجيء بارجة ألمانية لمساندة العملاء" والإتيان بسيارة احتلال من لبنان إلى القصير، بريف حمص، ولا بهوس أحدهم بـ"جهاد النكاح"، واستحضار بعبع "القاعدة" من معتقلات النظام، ولا في تيه تيار عربي وفلسطيني ببصق الشعارات الثورية، بذريعة "مواجهة المؤامرة الكونية على سورية الأسد".

اليوم، كأن واقع الأنظمة وأدواتها في التخوين لم تغيره ثماني سنوات مضت. فتزامناً مع موجة تململ الشارع العربي، في أكثر من مكان، ينفخ الأبواق في تهم "المؤامرة والعمالة"، بانضمام صريح للسعودية هذه المرة بمطالب إعمال السيف بأصحاب الرأي. فباستحضار تجربة معمّر القذافي وعلي عبدالله صالح وحسني مبارك وعبد الفتاح السيسي؛ وعند الأخيرين حارت أبواق الثورة المضادة بين صربيا وإسرائيل وقطر وتركيا و"حماس"، تثبت الأنظمة أنها أبدا غير قابلة للإصلاح، وستظل تدور حول بديهية تركيبتها، ونحو مصيرها المحتوم.

فلا مفر، في نهاية المطاف، من أن ينتصر المنطق الجمعي السليم للشعوب، بتلمس البوصلة الحقيقية للمطالبين بالحرية والكرامة والعدالة؛ وخصوصا بمراقبة علاقة المستبدين بإسرائيل وتهافتهم إليها، رغم هراء مطبليهم عن تآمرها، وبقية الأطراف، أميركية وأوروبية، عليهم. فلم يعد خافياً تفضيل هؤلاء الدائم لهذا النمط من الحكم العربي، وبالأخص باستثمارهم بعسكرييهم وأمنييهم، لاستدامة فوضى الديكتاتوريين، طلباً لمزيد من تخلف واقع ومستقبل العرب، وتحويل كل دولهم إلى جمهوريات موز.​

المساهمون