جريمة "قلب لوزة" خدمة مجانية للنظام السوري

12 يونيو 2015
تبرير النصرة للمجزرة يشابه ادعاءات النظام (فرانس برس)
+ الخط -

لم يكد يمضي أسبوعان على تصريحات زعيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني على قناة "الجزيرة" الفضائية حول القرى الدرزية في ريف إدلب، وتأكيده "أن هناك قرى درزية في المناطق المحررة لم تتعرض لأذى، وهم محلّ دعوتنا"، حتى قام عناصر من الجبهة بقيادة المهاجر أبو عبد الرحمن التونسي عصر الخميس الماضي، بارتكاب مجزرة بحق أهالي بلدة "قلب لوزة" (إحدى القرى الدرزية)، راح ضحيتها 24 قتيلاً من أهالي البلدة، من دون صدور أي بيان عن الجبهة، والاكتفاء بروايات عن عناصرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تباينت بين من نفى الجريمة، ومن ربطها بروايات تشبه إلى حد كبير الحجج التي يروّجها النظام السوري عقب كل جريمة يرتكبها. وكان الجولاني قد اشترط على المواطنين السوريين من المكونات الدينية غير السنية، ما سماه "العودة إلى الإسلام" وعدم القتال مع القوات النظامية في مقابل عدم التعرض لهم.

ضغط على الأهالي؟

وأوضح شاهد عيان طلب عدم الكشف عن اسمه، أن عناصر مجموعة أبو عبد الرحمن التونسي، والملقب "سفينة"، من جبهة "النصرة" (من الأجانب أو "المهاجرين" المعروفين بتجاوزاتهم العديدة) دخلوا إلى قرية "قلب لوزة" الواقعة قرب بلدة حارم القريبة من الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي، محاولين الاستيلاء على منزل لعائلة الشبلي يخدم ابنهم في صفوف قوات النظام السوري، ليقوم إخوة الشاب بالاعتراض على عمل المسلحين التابعين لـ "النصرة"، ما أدى إلى مشادة بين الطرفين، قام على أثرها أحد عناصر النصرة بإطلاق النار على احد أخوة الشاب صاحب المنزل، ومن ثم على أخيه، ليبدأ أهالي القرية بالتجمع والصراخ على عناصر "النصرة" الذين قاموا بإطلاق النار على الأهالي المتجمعين فقتلوا أربعة آخرين منهم، ليبدأ الأهالي المتجمهرون بمهاجمة عناصر "النصرة" بالحجارة، قبل أن يقوم عناصر "النصرة" بإطلاق النار عليهم، ليتسبب ذلك بمقتل ثمانية عشر آخرين من أهالي القرية، بينهم عدد من الرجال المسنين وطفلان. وأشار الشاهد إلى أن المجزرة التي ارتكبتها "النصرة" تسبّبت بحالة رعب عند سكان المنطقة المعروفة باسم جبل الدروز، وهي عبارة عن مجموعة قرى متجاورة في المنطقة الواقعة بين بلدات كفرتخاريم وحارم وارمناز في ريف إدلب يسكنها الموحّدون الدروز، من بينها قرية "قلب لوزة" التي حصلت فيها المجزرة.

واقتصر تعليق "النصرة" على الحادثة من خلال روايات لعناصرها على موقع "فيسبوك"، والتي تقول إحداها، إن ما حدث كان نتيجة رفض أحد الأقارب تسليم بيت قريبه "الشبيح" لـ "النصرة"، وقد قام أحد عناصر الجبهة بترك سلاحه خارجاً والدخول إلى البيت لمحاولة إقناعه بتسليم البيت، لكن أحد الأهالي قام بالتقاط السلاح وإطلاق النار على العنصر، مما أدى لوفاته، وأشعل الاشتباكات بين المدنيين وعناصر من "النصرة".

اقرأ أيضاً: "النصرة" ترتكب مجزرة ضد السكان في ريف إدلب

وقال أحد أبناء المنطقة ويُدعى أبو خالد لـ "العربي الجديد"، إن "تعليق النصرة عن المجزرة التي ارتكبتها بحق المدنيين يشبه ادعاءات النظام بعد كل جريمة يرتكبها، لكن الحقيقة أن النصرة تحاول جاهدة، منذ مدة طويلة، الضغط على أهالي القرى الدرزية في الجبل لإجبارهم على الرحيل من المنطقة وتفريغ قراهم وبيوتهم، مع أن النصرة تحتمي بالمدنيين في هذه القرى خوفاً من ضربات طيران التحالف". ولفت إلى أن "للجبهة مقراً دائماً في قرية قلب لوزة، وقد سبق وأجبرت الناس هناك على إزالة أماكنهم الدينية، كما أجبرت النساء على ارتداء الحجاب والخمار. ومنذ فترة قريبة أصرت النصرة على سحب أطفال هذه القرى لتعليمهم في المدارس الشرعية. كل هذا ولّد الكثير من الاستياء والاحتقان اللذين انفجرا البارحة".

ردود قاصرة

وجاءت حادثة الاعتداء على "قلب لوزة"، لتُقدّم خدمة كبيرة للنظام، الذي بدأ يتاجر بالحادثة ليصوّر نفسه كحامٍ للأقليات، ويُقدّم الحادثة على أنها حرب إبادة ضد الأقلية الدرزية، خصوصاً أنها جاءت متزامنة مع انتصارات المعارضة السورية في الجبهة الجنوبية، والتي كان آخرها سيطرة المعارضة على مطار الثعلة العسكري وقبله على اللواء 52 في درعا الذي يُعدّ ثاني أكبر لواء مدرعات لدى جيش النظام. ويبدو أن وجود عناصر أجانب في صفوف "النصرة"، سيُعقّد من محاولة الجبهة تصوير نفسها كفصيل معارض يسعى لإسقاط النظام، كما تشير المجزرة التي وقعت أمس الأول إلى أن عناصر "النصرة" لا يزالون منقسمين بين مهاجرين قريبين في تطرفهم من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وبين عناصر سورية أقل تطرفاً، وهو مؤشر على صراع خفي بين هذين الجناحين.

واقتصر رد فعل الفصائل المتواجدة في المنطقة والمتحالفة مع "النصرة"، وعلى رأسها حركة "أحرار الشام"، على التوسّط لدى الجبهة من أجل فك الحصار عن القرية، واستبدال العناصر التي ارتكبت المجزرة بعناصر من أبناء المنطقة، وتأمين العائلات التي نزحت من القرية، من دون أن تتخذ أي موقف من الجبهة أو تصدر بياناً يدين الحادثة، ما يرجح أن تبقى المواقف من مثل هذه الحوادث مرتبطة بمدى قوة الفصيل على الأرض، وقدرته على فرض ما يريد من دون إدانة أو ردع من أحد؛ وذلك حفاظاً على العلاقات الودية بين الفصائل.

حتى الائتلاف الوطني المعارض لم يتخطَ موقفه من المجزرة مواقف الفصائل، إذ اقتصر على تأكيد التمسّك بوحدة الشعب السوري وسلامة كامل أطيافه على كل المساحة السورية، وذلك من خلال بيان عبّر عن استنكار الائتلاف "بكافة المعاني لأي شكل من أشكال الاقتتال الداخلي الذي يوظف ويستثمر من قبل قوى عديدة، ويحقق أهدافاً ومآرب لا تخدم إلا مصالح النظام الطائفي والمتربصين بالثورة السورية والمجتمع السوري، وتعمل على تضليل الرأي العام ببث أخبار مغلوطة حول الأحداث، كما حصل في الحادث المؤسف يوم أمس، إذ خرج البعض يتحدث زوراً عن حصول إعدامات وحالات اغتصاب".

اقرأ أيضاً: وئام وهاب يروج للفتنة المذهبية مستغلاً جريمة "قلب لوزة"

المساهمون