جرائم معتادة

24 اغسطس 2020

(Getty)

+ الخط -

خبر جديد عن جريمة باتت معتادة مألوفة، من فرط تكرارها في هذه المجتمعات العربية البائسة المتخلفة المبتلاة بنفسها، هذه المرّة من مدينة الزرقاء، الأكثر تعدادا واكتظاظا بالسكان في الأردن، ذات التاريخ العريق، والتي قامت حول المعسكرات بمحض المصادفة، وهي التي كانت، في زمن مشرق مضى، الفضاء الأكثر حضارية وتنوعا وانفتاحا. وقد أنجبت عديدين من مبدعي الأردن ومثقفيه. ولطالما تباهينا، نحن بناتها وأولادها، بدور السينما والمتنزهات والمراكز الثقافية والمكتبات التي انتشرت فيها، وبمستوى تقدّمها الفكري والسياسي والثقافي، ما جعلها حاضرة تنويرية للثقافة والفنون، ونموذجا لعلاقات الجوار الاستثنائية المدهشة، حيث يجتمع في الحارة الواحدة المسيحي والمسلم والشامي والشركسي والشيشاني والفلسطيني، في انسجام وتناغم إنساني مذهل.
تبدّل الحال وتحول وتردّى، ووصل إلى أسوأ درك ممكن، بسبب عوامل عديدة. باتت الزرقاء التي احتضنت أحلامنا، ذات زمان بهي، تتصدر الأخبار بكمية العنف والفقر والجهل وارتفاع مستوى البطالة والجريمة. ولا تختلف في هذا عن بقاع عدة في الأوطان العربية المنكوبة، من حيث الجهل والتخلف والتعصب، واستفحال صور التطرّف الديني غير المتسامح، أو حتى القابل بالآخر المختلف. وتعجّ المحاكم الشرعية بقصص مروعة عن أشكال التنكيل بالمرأة على مختلف المستويات، سواء بمصادرة حقها في تقرير المصير في التعليم والعمل واختيار الزوج وطريقة اللباس، أو العمل على تزويجها من أول طارق باب، للتخلص من عبئها المعيشي و"عارها المحتمل"، فتسلّم صاغرة، لا حول لها ولا قوة، في حالات كثيرة، لبطش زوج مريض نفسي مختلّ عقليا، أو مجرم تربى على القسوة، يفتقد أدنى إحساس إنساني بضرورة احترام زوجته، وتوفير ظروف حياة كريمة تحفظ كرامتها، تقديرا لتعبها في العناية بشؤون البيت، وفي تنشئة أولاده ورعايتهم، وبذل عمرها والتضحية بحياتها حماية لهم. عوضا عن ذلك، وفي محاولة لتأكيد سلطةٍ ورجولة لا يملك مقوماتها، ينهال عليها ضربا وشتما وتقريعا وإهانة، ليصف، كذبا وزورا، ما جرى بخلافات زوجية، وهذا باطل من أساسه، لأن الخلافات تستوجب شكلا من الندّية بين الأطراف المتصارعة، لا تتوفر بين قاتل وضحيته العزلاء المستلبة الضعيفة.
أفادت الأنباء، أخيرا، "بورود بلاغ إلى مديرية شرطة الزرقاء بوجود جثة لسيدة أمام منزلها، حيث جرى التحرّك إلى المكان. وتبين بالكشف على الجثة وجود آثار شدة وعنف على جسدها، ووقع الاشتباه على زوجها، وألقي القبض عليه. وبعد التحقيق معه، اعترف بأنه، وعلى إثر خلافات مع زوجته، ظل يضربها حتى فارقت الحياة، وما زال التحقيق جاريا". وطالب نشطاء ساخطون بإيقاع أشد العقوبات على الزوج المجرم الذي حاول الهروب إثر ارتكابه جريمته البشعة. ولكن ومثلما جرت العادة، تساءل كثيرون، بخبثٍ وخسّةٍ، لا ذمة لهم ولا ضمير، عن سبب ارتكاب الجريمة، موجهين أصابع الاتهام إلى الضحية المغدورة "أبصر شو عملت ومش معقول يقتلها لسبب تافه، أكيد مسك عليها شي غير أخلاقي"!. وفي وجود نمط تفكير مخجل وبائس كهذا، يغدو غير مستهجنٍ ازدياد جرائم القتل التي تطاول النساء، حيث شهد الشهر الماضي (يوليو/تموز) وقوع سبع جرائم قتل في الأردن، راحت ضحيتها ست نساء.
ومما يثير الغيظ والأسى والمرارة والاشمئزاز، أنني، حين سمعت عن نبأ الجريمة، كتبت في محرك البحث غوغل عنوان "رجل يقتل زوجته في الزرقاء" لمعرفة مزيد من التفاصيل، لأصطدم بمئات المواضيع تحت العنوان نفسه حرفيا، باستثناء تغيير مكان وقوع الجريمة، فهناك في الوطن العربي غير الكبير إلا ببؤسه رجال قتلوا زوجاتهم في القاهرة ودمشق وبيروت ورام الله ومكة وأبوظبي وتبوك وغزة وبغداد وكربلاء وغيرها من مدن كثيرة في بلاد العرب أوطاني، حيث لا عزاء للأنوثة.

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.