جدران الإسكندرية تقاوم الانقلاب

08 مايو 2014
باتت الإسكندرية جداراً واحداً مليئاً بالرسومات (Getty)
+ الخط -

"الانقلاب هو الإرهاب"، "ارحل"، "مرسي رئيسي"، "السيسي قاتل"، وغيرها من الكلمات التي لم يكتفِ أنصار الرئيس المعزول، محمد مرسي، بترديدها خلال احتجاجاتهم اليومية ضد الانقلاب العسكري، الذي أطاح أول رئيس منتخب للبلاد، ولجأ العديد منهم إلى تخليدها على جدران وواجهات المحال والمنشآت الحكومية، كإحدى وسائل التعبير عن صوتهم خلال التظاهرات المستمرة حتى الآن.

لن يجد المتجول في شوارع وأزقة محافظة الإسكندرية، مكاناً أو جداراً إلا وعليه شعارات، خطّها عدد من المحتجين والمشاركين في التظاهرات، الى درجة أنها حوّلت جدران المدينة الساحلية إلى ما يشبه المدوّنات، التي يتمّ التعبير فيها عن الآراء والأفكار والمطالب.


واكتست جدران المباني والطرق والمصانع ومحطات الركوب، عبارات ورسومات وصوراً، شاهدة على الرفض الشعبي للانقلاب، وتحكي للعابرين وأهل المنطقة حقيقة الانقلاب العسكري، من وجهة نظر معارضي النظام الحالي، والتي تطالب برحيله ومحاكمة قادته.

وعلى الرغم من أن كلمتي "السيسي ومرسي" هما القاسم المشترك في كل العبارات التي ملأت الجدران، إلا أن مواصلة النضال لدحر الانقلاب، والقصاص لحقوق الشهداء خلال فض الداخلية والجيش اعتصامين لأنصار مرسي، أو خلال المواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين يطالبون بعودة المسار الديمقراطي الى البلاد، تبقى الأكثر إلهاماً للعبارات والشعارات.

وتصدّر "الهاشتاغ" المسيئ لترشيح السيسي، المدوّنات في غرب المدينة وشرقها، كما أن شعارات كـ"الحكاية مش اخوان.. الحكاية شعب اتهان"، "لا للانقلاب العسكري"، "نعم لشرعية الرئيس"، "لا لحكم العسكر"، "مكملين"، "دماء الشهداء لن تضيع"، برزت بدرجة كبيرة.

شعارات ثورية

وعلى كورنيش الإسكندرية، تطالعك جدران طُليت بألوان زاهية وكلمات بسيطة، أعادت إلى الأذهان أجواء ثورة "25 يناير" وشعاراتها الثورية، بعدما كُتب عليها شعارات تعبّر عن مطالبهم ومنها "الشعب يريد إعدام السفاح"، "السيسي خاين"، "يسقط حكم العسكر"، وغيرها من الكلمات المناهضة للجيش ووزارة الداخلية.

جدران شارع أبو قير، أحد أهم الطرق الرئيسية ومحطات الترام والأتوبيسات، تبقى شاهدة على الرفض الشعبي للانقلاب بعد امتلائها، بالشعارات المطالبة بالإفراج عن المعتقلين، والتنديد بالأحكام القاسية على المئات من رافضي الانقلاب.

مشاكل المدينة من انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع الأسعار، وجدت طريقها أيضاً الى الجدران والنواصي، خصوصاً في المناطق العشوائية، إلى جانب الشعارات السياسية سواء بانتقاد سوء إدارة الحكومة وسلطات الانقلاب للدولة، أو في المطالبة باتخاذ مواقف تصعيدية.

في المقابل وعلى الواجهة الأمامية لمسجد القائد إبراهيم، بوسط المدينة، حاولت السلطات تجريم مثل هذه الكتابات، من خلال لافتة كبيرة، على اعتباره أحد أماكن العبادة، ولا يجوز استخدامها في السياسة.

ويقول منسق حركة "أحرار"، إسلام رأفت، الشاب الثلاثيني: إن الثوار يستهدفون مواجهة الانقلاب العسكري بشتى الصور، وأهمها توعية المواطنين بما يُبثّ في عقولهم من سموم، ونشر الحقائق وتعريفهم بها، وذلك بعد إغلاق قيادات الانقلاب القنوات الفضائية المؤيدة للشرعية أو المعبّرة عن التيار الإسلامي". واعتبر أن "هذه الممارسات وسيلة تنفيس لغالبية المتضررين، بالإضافة الى أنها الأداة التي يتم التعبير عن رأيهم من خلالها"، رافضاً في الوقت نفسه الاتهام الموجّه إليهم في تسببهم في تشويه معالم المدينة.

ويضيف أحد أعضاء حركة "سبراي"، عبد الحميد الفار، أن "شعارات الثوار تملأ جدران الميادين العامة والشوارع الرئيسية والأزقة والحواري، لإيقاظ قطاعات من الشعب غارقة في سبات عميق، وتسيطر عليها وسائل الإعلام التابعة لقيادات الانقلاب العسكري، بكل ما تبثه من أكاذيب وخدع"، على حسب تعبيره.

ويشير الفار، إلى أن "العمل على الأرض، أثبت أن الكتابة على الجدران هي أنجح أساليب الدعاية ومناهضة الانقلاب ومخاطبة الشرائح كافة"، مضيفاً "نلجأ الى الكتابة على الجدران أثناء التظاهرات المؤيدة للشرعية، حتى لا نتعرض الى القبض علينا أو الاعتداء من البلطجية، في حال كتبنا فردياً. الأمر الذي اعتبره نوعاً من المخاطرة التي يجب الاستعداد لها قبل الشروع في التنفيذ".


قاعات المحاضرات

ولم يكن طلاب الجامعة في الاسكندرية خارج المشهد، فشعاراتهم ورسوماتهم ملأت جدران الحرم الجامعي في مختلف الكليات، وكستها شعارات ثورية، هاجمت العسكر والسيسي، وقرار ترشحه لرئاسة الجمهورية، والمنددة أيضاً بسجن الطلاب والمطالبة بالإفراج عنهم، منها "هاتوا أخواتنا المعتقلات" و"اكتب على سور الزنزانة.. حبس الطلاب عار وخيانة".

وأيضاً كانت الكتابات والرسومات المسيئة لوزارة الداخلية، وعمداء بعض الكليات، في طليعة الشعارات التي ملأت قاعات المحاضرات والمباني التعليمية.

"الانقلاب أطلق العنان للمبدعين في مقاومتهم كل حسب إمكانياته"، هكذا تقول الطالبة المنتمية إلى حركة "ثوار الميدان"، سمية محمد. وتضيف "لم يعد يحتمل الأمر التقسيم والتنظير، بل تعدّى ذلك ليصل إلى مرحلة، يصعب معها على كل وطني شريف الوقوف في المنطقة الرمادية وعدم مواجهة سلطات الانقلاب، حتى وإن أيّدها يوماً ما رفضاً لجماعة الإخوان المسلمين".

وتشير سمية، الى أننا "نستخدم أسلوب الكتابة على الجدران، لإيقاظ ضمائر غاب عنها الوعي، وقبلت باستبدال النضال ضد الديكتاتوريات بالسير تحت أقدامهم، كما نحاول إيقاظ الوعي العام للمواطنين بما يمر بالبلاد من خراب سياسي واقتصادي واجتماعي، بسبب سياسات الانقلاب العسكري".

ويتفق معها الطالب بالفرقة الثالثة في كلية العلوم، مصطفى رشاد، قائلاً "تبقى محاولة لتوثيق المرحلة والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين داخل سجون الانقلاب بلا سبب، سوى ترداد هتاف أو كتابة شعار هنا أو هناك، وكأن الأنظمة لا تتعلم أنه لا يمكن لأحد حبس الفكرة، وأنه مهما غابت الأجساد وراء القضبان تظل الأفكار باقية لينفذها الشرفاء".