04 نوفمبر 2024
ثورة 28 يناير
اليوم هو الثامن والعشرون من يناير/ كانون الثاني، وفي مثل هذا اليوم قبل ثماني سنوات، شهدت مصر تحولاً تاريخياً عُرف لاحقاً باسم "ثورة 25 يناير". كان 25 يناير مجرّد شرارة، لكنه ليس يوم اشتعال الثورة، إن جاز اختزالها في يوم. بينما يوم الثورة المصرية الحقيقي هو يوم الجمعة 28 يناير الذي لقبه المصريون بجمعة الغضب.
في تاريخ المصريين أيام كثيرة طويلة من الرفض والانتفاض ضد الحكام أو الاحتلال، فليس 25 يناير الأول وربما ليس الأخير، كما أن مجريات اليوم نفسه تكرّرت سابقا بأشكال مختلفة، وإن جاءت في يناير 2011 أوسع نطاقاً. لكن يظل 28 يناير يوما غير مسبوق في تاريخ مصر، شهدت فيه ما لم تشهده على مر تاريخيها، القديم والمعاصر، من انكشاف حقائق وانهيار أساطير، وتجسيد لتحول ثقافي وسلوكي عند شريحةٍ كبيرةٍ من الطبقة المتوسطة في المجتمع المصري.
فللمرة الأولى في تاريخ المصريين، تنهزم قوات حفظ الأمن في مواجهةٍ مع أفراد الشعب. وللمرة الأولى أيضاً تنكسر في العقل الجمعي المصري تلك الصورة الذهنية الراسخة عن هيبة النظام وسطوة الشرطة. في الأيام الثلاثة الفاصلة بين 25 و28 يناير، ساد الارتباك والذهول مؤسسات الحكم. وعكست الإجراءات التي استعدّت بها الدولة المصرية لجمعة الغضب قصوراً في استيعاب أبعاد وحدود الغضب الذي بدأ يتفجر منذ يوم 25. والدليل على ذلك القصور، الانسياق وراء الرؤية الأمنية والإجراءات التقليدية لمنع تدفق الجماهير إلى الميادين والشوارع، مثل وقف الاتصالات واستخدام كل درجات العنف، بما فيها الرصاص الحي، لمواجهة المتظاهرين العزّل.
في 28 يناير، حدث انهيار مفاجئ وسريع لحواجز الخوف والجبن والفردانية لدى شريحةٍ واسعةٍ من المصريين، هي شريحة الشباب المتعلم متوسطي العمر، من 20 إلى أربعين عاماً. وإذا كان عشرات الآلاف فقط من هذه الشريحة شاركوا في 25 يناير، ثم في الاعتصام في الميادين لاحقاً، ففي يوم 28 يناير وحده شارك ملايين المصريين من هذه الشريحة العمرية بأشكالٍ متفاوتة. من النزول الفعلي إلى الميادين، ومواجهة عنف الشرطة، إلى السماح للأبناء أو الأشقاء بالمشاركة.
حتى هؤلاء الذين خرجوا إلى الشوارع، بحثاً عن أبناء أو أقارب، بعد انقطاع الاتصالات، كانوا جزءاً من زخم ذلك اليوم التاريخي، فتحول مصريون كثيرون غير مُسَيسِين إلى ناشطين سياسيين، وجزء من الفعل الثوري، من دون تعمّد، بل وربما من دون أن يدروا.
وعلى خلاف الآباء والكبار، انتقل الشباب المصري في اليوم نفسه، 28 يناير، من فضاء الكلام إلى ساحة الفعل والحركة، عن عمد وتصميم مسبق، ليصبح ذلك اليوم علامةً فارقةً ونقلة نوعية في السلوك السياسي، وبالتالي الثقافة السياسية للمصريين المعاصرين.
في 28 يناير، يوم جمعة الغضب، حدث سقوطٌ مُخزٍ للرموز والنخب وقيادات الأحزاب الكرتونية، وغيرهم من أشباه الساسة الذين كانوا ملء السمع والبصر. وقد رأيت بعيني في ظهر ذلك اليوم، كيف انسحب محمد البرادعي (وحفنة من أصحاب الياقات البيضاء) من ميدان الجيزة، وعاد سريعاً إلى بيته، فور تلقيه تحذيراً شفهياً من الشرطة.
وقبل غروب شمس ذلك اليوم، رأيت عشراتٍ من الكتاب والفنانين والساسة والمثقفين يقفون بعيداً عن ميدان التحرير بأكثر من كيلومترين، خشية التأثر بالغاز المسيل، ومعارك الكر والفر الدائرة في الميدان.
كان 28 يناير يوم رجل الشارع المصري، وليس رجال الصالونات ونجوم الشاشات الذين يتمسّحون بيوم 25 يناير، ويتجاهلون 28 يناير الذي لم يكن لهم فيه حضور ولا تأثير. لذا لم ينل يوم جمعة الغضب، حتى الآن، ما يستحقه من اهتمام وتوثيق وتحليل.
فللمرة الأولى في تاريخ المصريين، تنهزم قوات حفظ الأمن في مواجهةٍ مع أفراد الشعب. وللمرة الأولى أيضاً تنكسر في العقل الجمعي المصري تلك الصورة الذهنية الراسخة عن هيبة النظام وسطوة الشرطة. في الأيام الثلاثة الفاصلة بين 25 و28 يناير، ساد الارتباك والذهول مؤسسات الحكم. وعكست الإجراءات التي استعدّت بها الدولة المصرية لجمعة الغضب قصوراً في استيعاب أبعاد وحدود الغضب الذي بدأ يتفجر منذ يوم 25. والدليل على ذلك القصور، الانسياق وراء الرؤية الأمنية والإجراءات التقليدية لمنع تدفق الجماهير إلى الميادين والشوارع، مثل وقف الاتصالات واستخدام كل درجات العنف، بما فيها الرصاص الحي، لمواجهة المتظاهرين العزّل.
في 28 يناير، حدث انهيار مفاجئ وسريع لحواجز الخوف والجبن والفردانية لدى شريحةٍ واسعةٍ من المصريين، هي شريحة الشباب المتعلم متوسطي العمر، من 20 إلى أربعين عاماً. وإذا كان عشرات الآلاف فقط من هذه الشريحة شاركوا في 25 يناير، ثم في الاعتصام في الميادين لاحقاً، ففي يوم 28 يناير وحده شارك ملايين المصريين من هذه الشريحة العمرية بأشكالٍ متفاوتة. من النزول الفعلي إلى الميادين، ومواجهة عنف الشرطة، إلى السماح للأبناء أو الأشقاء بالمشاركة.
حتى هؤلاء الذين خرجوا إلى الشوارع، بحثاً عن أبناء أو أقارب، بعد انقطاع الاتصالات، كانوا جزءاً من زخم ذلك اليوم التاريخي، فتحول مصريون كثيرون غير مُسَيسِين إلى ناشطين سياسيين، وجزء من الفعل الثوري، من دون تعمّد، بل وربما من دون أن يدروا.
وعلى خلاف الآباء والكبار، انتقل الشباب المصري في اليوم نفسه، 28 يناير، من فضاء الكلام إلى ساحة الفعل والحركة، عن عمد وتصميم مسبق، ليصبح ذلك اليوم علامةً فارقةً ونقلة نوعية في السلوك السياسي، وبالتالي الثقافة السياسية للمصريين المعاصرين.
في 28 يناير، يوم جمعة الغضب، حدث سقوطٌ مُخزٍ للرموز والنخب وقيادات الأحزاب الكرتونية، وغيرهم من أشباه الساسة الذين كانوا ملء السمع والبصر. وقد رأيت بعيني في ظهر ذلك اليوم، كيف انسحب محمد البرادعي (وحفنة من أصحاب الياقات البيضاء) من ميدان الجيزة، وعاد سريعاً إلى بيته، فور تلقيه تحذيراً شفهياً من الشرطة.
وقبل غروب شمس ذلك اليوم، رأيت عشراتٍ من الكتاب والفنانين والساسة والمثقفين يقفون بعيداً عن ميدان التحرير بأكثر من كيلومترين، خشية التأثر بالغاز المسيل، ومعارك الكر والفر الدائرة في الميدان.
كان 28 يناير يوم رجل الشارع المصري، وليس رجال الصالونات ونجوم الشاشات الذين يتمسّحون بيوم 25 يناير، ويتجاهلون 28 يناير الذي لم يكن لهم فيه حضور ولا تأثير. لذا لم ينل يوم جمعة الغضب، حتى الآن، ما يستحقه من اهتمام وتوثيق وتحليل.