ثورة الجياع

10 نوفمبر 2014
تفاقم أزمة الغذاء في السودان(وكالة الاناضول/getty)
+ الخط -
قاد الجوع فتاة سودانية عشرينية لسرقة "دجاجة مجمّدة " من سوبر ماركت في الخرطوم، فأوقفتها الشرطة بعدما اكتشف صاحب المحل التجاري فعلتها. كما قاد ضيق الحال طفلاً لا يتجاوز عمره عشر سنوات، للاستيلاء على ثلاث جرعات من الأنسولين لإنقاذ حياة والده الذي يعاني من مرض السكر ودخل في غيبوبة في المشفى القريب من الصيدلية.
قصتان تناقلتهما وسائل الإعلام في الخرطوم، العاصمة التي بات أهلها يأنّون من الجوع والفقر بسبب الضائقة الاقتصادية الخانقة التي ضربت البلاد خلال السنوات الماضية. لا سيما بعد انسحاب إيرادات البترول جنوباً عقب انفصال جنوب السودان وتكوين دولته المستقلة قبل ثلاثة أعوام.
ارتفاع الاسعار
خلال الأعوام التي تلت الانفصال تفاقمت مشكلات السودانيين وازداد بعضهم فقراً مع الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الاستهلاكية وتدهور العملة المحلية. كما شهدت معدلات التضخم تأرجحاً ملحوظاً لكنه ظل متخطياً الـ40%.
وأدى قرار الحكومة العام الماضي برفع الدعم عن المحروقات إلى تأزيم الوضع. وخرجت تظاهرات حينها منددة بالقرار. إلا أن الحكومة واجهتها بالعنف المفرط، الأمر الذي قاد إلى مقتل وإصابة المئات بالرصاص الحي.
اليوم، عاد شعار "ثورة الجياع"، إلى الشارع السوداني. بعض السياسيين حذروا صراحة من نشوب ثورة كهذه. من بين هؤلاء زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض حسن الترابي، الذي قال في وقت سابق إن "هذه الثورة لن تكون في صالح الحكومة أو المعارضة لصعوبة السيطرة عليها".
وانتقلت المخاوف إلى البرلمان السوداني، وبدأ الحزب الحاكم نفسه يخشى من الآثار التي يمكن أن تنتج من استشراء الجوع. وفي مداخلة برلمانية، اعترفت القيادية في حزب المؤتمر الوطني عائشة الغبشاوي بانتشار الجوع وسط المجتمع السوداني وشددت على ضرورة إيجاد معالجة عاجلة للتخفيف من وطأة هذه المعضلة.
ووقفاً لتقديرات الخبراء، فإن نسبة الفقر في السودان تجاوزت الـ90%. وشهدت معدلات التسول والتشرد زيادة مضطردة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي كمال كرار في حديث مع "العربي الجديد" أن "الفقراء ممن لا يتجاوز دخلهم اليومي دولاراً واحداً، يشكلون أكثر من 90% من السودانيين.
ويوضح كرار أن "المؤشرات الاجتماعية المتعلقة بارتفاع نسبة الوفيات وسط الأطفال تحت الخامسة من عمرهم، تقدر بـ 38 حالة من أصل ألف حالة ولادة. كما ارتفعت الوفيات لدى الفئة العمرية من 15 إلى 60 عاماً، لتصل إلى 276 حالة وفاة بين كل ألف حالة وفاة". ويقول كرار إن "غالبية سكان السودان هم من الجياع. وذلك مع تحقيق معدل التضخم السنوي الـ100%".
أما مدير إدارة الفقر في وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي السودانية، فضّال علي حمدي، فيقول لـ "العربي الجديد" أنه "وفقاً للتقييم الذي أجرته الوزارة بعد تنفيذ قرارات رفع الدعم عن المحروقات العام الماضي ثبت أن عدد الفقراء ازداد بنسبة 4% عن آخر مسح أجري في 2009 والذي حدد نسبة الفقر في البلاد بـ 46.5%".
ويوضح: "بالتالي فإن نسبة الفقر وصلت إلى 49.5%". ويردف أن "هذه النسبة ليست ضئيلة، إذ إن بين كل اثنين من السكان يوجد مواطن فقير".
وتشكّل "أم كلثوم" مثالا عن الظروف التي يمر بها السودانيون. فالوضع المعيشي الصعب أجبر هذه المرأة الخمسينية على بيع القبعات التي تحيكها يدوياً، تحت وطأة الشمس الحارقة. وتقول أم كلثوم لـ "العربي الجديد" أنها تقضي النهار كله في حياكة القبعات وبيعها، فتبيع خمس قبعات يومياً على الأكثر، وأحياناً تعود إلى منزلها بلا أي مدخول.
وتقول أم كلثوم إن "أكبر أبنائي ترك المدرسة رغم تفوقه، ليساعدني في تربية إخوته، خاصة بعد وفاة زوجي. ومع ذلك قد تصادفنا أيام نبيت خلالها من دون طعام، ونكتفي بكوب شاي وقطعة خبز" .
ومشكلة أم كلثوم تطال غالبية السودانيين، الذين يعانون من قلة المدخول وغلاء الأسعار. وقد دفع هذا الواقع التجار في السودانيين إلى تغيير نمط البيع. إذ ابتكر هؤلاء طرق جديدة لمواجهة الوضع، فأصبح للحم أوزان جديدة. وهكذا، بدلاً من طرح اللحم بزنة ربع كيلو غرام، ظهرت وزن ربع الربع. كما انتشرت ظاهرة شراء العظم لوضعه في الحساء بدلاً من اللحم. في حين يوجد عدد كبير من السودانيين غير القادرين حتى على شراء العظم.