ثوراتنا الفاشلة.. وحتمية تأخر النصر

10 اغسطس 2015
+ الخط -
هل فُرض علينا الفشل مع كل بارقة أمل في طي صفحة الواقع المرير، وتغيير الأوضاع المختلة، كلما توهمنا أننا قمنا بثورة حقيقية لاقتلاع الظلم، واجتثاث شجرة الفساد إلى الأبد، لنستيقظ على واقع أشد سواداً من قبل؟، لأننا درجنا على السقوط في الحفرة نفسها عشرات المرات، وكأننا لم نتعلم من دروس التاريخين، القديم والحديث، وكأننا بارعون في السقوط والفشل جيلاً بعد جيل، حتى أصبح هذا الهبوط والفشل عادة وعبادة مصرية تتوارثها الأجيال، ويتخطفها شعب الكنانة ليباهي بها جميع الأمم.
ثوراتنا ناقصة، وإن شئت فقل فاشلة، حتى لو كانت بريئة طاهرة، فالبراءة والطهارة ليست شرطاً للعبور الآمن للمستقبل، أو تحقيق الهدف من القيام بها، فالثورة تكتسب أهميتها بحجم الإنجاز الذي قامت به على صعيد التغيير الجذري لواقع كئيب إلى واقع مغاير، ومن ثم مستقبلٍ أفضل.
أما وأن ثوراتنا لم تحقق ذلك في مجملها، فلا تستحق أن نصفها بالثورة، حيث أن التوصيف الأدق لما حدث أنها هبّة أو فورة (من الفوران)، أو حتى انتفاضة سرعان ما خمدت، وعادت دولة الفساد والاستبداد أكثر شراسة مما كانت عليه، بفعل التحايل والالتفاف على مطالب الجماهير التي وثقت هكذا بكل سذاجة في الصف الثاني لدولة الاستبداد الذي كان يعيش في الظل بعيداً، حتى خرج في الوقت المناسب، لينقض على مشروع الثورة في مهده، عبر سياسة فرّق تسد الاستعمارية، فنجح في شق الصف الثوري، واستقطاب فصيل دون آخر، ثم اللعب مع فصائل أخرى في الخفاء، ليلعب مع الجميع وعلى الجميع، ثم العمل على إشاعة الفوضى، ليضمن له مكاناً في دائرة الحكم رسمياً، وليس من وراء حجاب، بعد أن يستدعيه قطاع واسع من العامة والدهماء، ليعود مرة أخرى بادعاء شرعية الإنقاذ من الفوضى والعنف. ولكن، بوجهٍ أكثر قبحاً وشراسة.
من السذاجة أن نتوقع النصر والخلاص من دولة الظلم والطغيان والاستبداد سريعا أو قريباً، لأن الأمر مرتبط بالوعي الجمعي للشعب، وساعتها سيتلاشى الاستبداد ذاتياً، نظراً لاتساع دائرة التمرد (الواعي) على السلطة الغاشمة، والتي لا تملك إزاء هذا الغضب العارم أن تقاوم، أو تساوم على البقاء لحظة واحدة، فالصراع القائم الآن في مصر واليمن وسوريا وليبيا هو على وعي الجماهير وعقلها، بهدف اختطافها بعيداً عن جوهر القضية، المتمثل في الاستبداد الذي ولّد الفساد والقهر والقمع والتخلف والانحطاط، وكل الموبقات السياسية والاقصادية والاجتماعية.
هل ننتظر كسراً للانقلاب، وبيننا مازال يصدق أن الإخوان المسلمين هم سبب سقوط الأندلس، وأن هناك كرة أرضية أخرى غير التي نعرفها أسفل اعتصام رابعة العدوية، أو أن المعتصمين من قتلوا أنفسهم؟ وهل ننتظر نصراً قريباً، وفينا كثيرون يعتقدون أن الفصيل الذي فاز بانتخابات شرعية شفافة هو من اختطف الثورة (الناقصة)، وأنه قتل وسرق وخان وفعل كل الموبقات في عامٍ واحد فقط للحكم؟
هل ننتظر خلاصاً من الأوضاع المأساوية الراهنة، ومازال يعيش بيننا قطاع ليس قليلاً، يصدق أن الأمراض العضال يتم علاجها بجهاز (الكفتة)، وأن رجال الضفادع البشرية المصرية استطاعت أسر قائد الأسطول السادس الأميركي؟ هل يأتي النصر على شعبٍ يصدق فيه بعض القوم أن عبد الفتاح السيسي هو عدو الأميركان والصهاينة الأول، وأنه من رسل الله، جاء ينقذ الإسلام من أيدي الكفرة المتاجرين باسم الدين؟
هل يأتي الفرج، ومازال فينا من يصدق أن الجيش حمى الثورة، أو أن الجيش انحاز لإرادة الشعب، مرةً في 25 يناير، وأخرى في 30 يونيه؟!. يا سادة، الجيوش لا تحمي الثورات، بل تخمدها أو تسرقها. هل يتغير الحال من الذل، وهناك من يعتقد ويؤمن أن الأزهر الشريف (كمؤسسة مخترقة ومسيسة) وليس كأفراد هو المتحدث الرسمي الحصري الحقيقي المعبر عن الإسلام الوسطي الذي يحمي ثغور الدين بحق، ولا يُستخدم من السلطان؟
يقول المفكر الراحل، جمال حمدان، في توصيفه وتقييمه الثورات المصرية والحكم العسكري، في كتابه الموسوعة "شخصية مصر" إنه خلال 5000 آلاف سنة، لم تحدث أو تنجح في مصر ثورة شعبية حقيقية واحدة، بصفة محققة ومؤكدة، مقابل بضع هبّات أو فورات قصيرة متواضعة، أو فاشلة غالباً، مقابل عشرات بل مئات من الانقلابات العسكرية، يمارسها الجند أوالعسكر دورياً، كأمر يومي منذ الفرعونية، وعبر المملوكية، وحتى العصر الحديث ومصر المعاصرة".
الثورات، للأسف، يا سادة، في غالبيتها يصنعها الشرفاء ويسرقها الأوغاد، كما قال المناضل الثوري (تشي جيفارا)، فأينما اجتازت الأمة معركة الوعي، فثَم النصر والتمكين والخلاص من الانقلاب، فضلاً عن كل أشكال الظلم والقهر والقمع والاستبداد ووالطغيان والفساد، ذلك أن المستبد لا يحكم إلا بالفوضى، ولا يبقي إلا بنشر الجهل وتزييف الوعي، ولا يتغذى إلا باشاعة الفتنة والكراهية، وحيث لا أقصد، هنا، أن يتسرب الوعي إلى جميع مكونات الشعب، لأنها مثالية خيالية، بل الحد الأدنى من الوعي الذي يغلب الجهل والعبودية، أما ما دون ذلك، فتعبير مشروع فقط عن الغضب والرفض والمقاومة.


5F03EF1D-A432-414E-B3C9-10864571035D
5F03EF1D-A432-414E-B3C9-10864571035D
رضا حمودة (مصر)
رضا حمودة (مصر)