ثمن اقتصادي باهظ تدفعه روسيا لضم القرم

20 مارس 2014
مليارات الدولارات تتكبدها روسيا ثمنا لضم القرم
+ الخط -

على الرغم من الشواطئ والقلاع المثيرة التي أكسبت القرم شهرة كمنتجع سياحي سوفييتي، إلا أن شبه الجزيرة الواقعة في البحر الأسود لطالما كانت مستنقعا مشبعا بالفساد من حيث الأوضاع الاقتصادية.

وبدأ الكرملين، الذي قرر انتزاع الإقليم من أوكرانيا بعدما صوت سكانه في استفتاء للانضمام إلى روسيا، في إجراء حسابات دقيقة للتكلفة التي سيتحملها لدعم اقتصاد القرم الذي وصفه وزير روسي بأنه "ليس أفضل حالا من فلسطين".

وفيما يلي نظرة على أكثر ما تحتاجه القرم والتحديات الاقتصادية التي تواجهها روسيا في استيعاب الإقليم.

توقعات هائلة:

خلال فترة الهرولة نحو الاستفتاء في القرم، أطلق الناخبون وابلا من الرسائل التي تفيد أن العشب أكثر اخضرارا بكثير على الجانب الروسي، أي أن أحوال روسيا أفضل بكثير من أحوال الإقليم، بحسب رؤيتهم.

وربما غذى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه المشاعر خلال المظاهرات المناهضة للحكومة في أوكرانيا والتي سبقت الغزو الروسي للقرم. فقد أبدى تعاطفا مع المحتجين، معتبرا أنهم ضاقوا ذرعا باقتصاد شهد سوء إدارة من "مجموعة من المحتالين" بعد الأخرى.
وأطرى بوتين بإفراط على النجاح النسبي للاقتصاد الروسي، مستخدما أرقاما تتعلق بالرواتب التقاعدية والأجور في كلا البلدين للزعم بأن الناس أفضلا حالا في روسيا.

ويوم الإثنين الماضي، في اليوم التالي للاستفتاء، كتب رئيس وزراء القرم سيرجي أكسيونوف على حسابه الخاص بموقع تويتر أن موسكو قدمت 15 مليار روبل (400 مليون دولار أمريكي) كمساعدات للإقليم، قال إنها ضاعفت ميزانية القرم بين عشية وضحاها.

وقال بوريس تيتوف، أمين مظالم الأعمال في روسيا، "هذا منطلق مثالي للمخاطرة. ولتحقيق معجزات اقتصادية".

لكن فور أن أصبح الحلم الروسي بالاستحواذ على القرم حقيقة، تحاول موسكو حساب ثمن ضم إقليم اقتصاده "يبدو ليس أفضل حالا من فلسطين"، بحسب تعبير وزير التنمية الإقليمية الروسي إيغور سليونياييف.

كجزء من أوكرانيا، فإن 40% من الموازنة السنوية للقرم التي تقدر بحوالي 500 مليون دولار أمريكي تستند إلى دعم كييف، ومن ثم يتوقع أن تقدم روسيا مثل هذه المساهمة الأوكرانية السنوية على الأقل - إن لم تتجاوزها بكثير - لرفع مستوى المعيشة في هذا الجزء الجديد من أراضيها.

يشار إلى أن مستويات المعيشة في القرم تختلف اختلافا جذريا عن نظيرتها في روسيا. فنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في روسيا، موطن أكثر من 100 ملياردير، يبلغ حوالي أربعة عشر ألف دولار، أما في القرم، فيبلغ نحو خمسة آلاف دولار.

التركيبة السكانية أيضا إحدى العقبات الكبرى، ذلك أن أكثر من 500 ألف شخص - حوالي ربع سكان الإقليم - متقاعدون.

والرواتب التقاعدية في روسيا تبلغ حوالي ضعف ما هي عليه في أوكرانيا، ويقدر وزير الضرائب الروسي السابق أليكسندر بوتشينوك أن دفع الرواتب التقاعدية فقط في القرم سيكلف روسيا نحو 70 مليار روبل (1.9 مليار دولار أمريكي) سنويا.

ويعيش الكثير من سكان القرم على السياحة، رغم أن غالبية هذه الأموال لا تمر عبر الدفاتر الرسمية، ومن ثم يصعب تحصيل الضرائب عليها.

وكان 70 بالمائة من السياح خلال السنوات الماضية أوكرانيين، وهو ما يعود في جانب كبير منه إلى أن الطريق الوحيد لشبه الجزيرة وخطوط السكك الحديدية مرتبطة فقط بالأراضي الرئيسية في أوكرانيا.

ومن المرجح أن تتعرض السياحة لخسائر كبيرة مع امتناع الكثير من الأوكرانيين عن زيارة الإقليم الصيف الجاري، رغم أن السلطات الروسية تعهدت بتقليل تكلفة السفر جوا إلى شبه الجزيرة من أجل تعزيز السياحة في القرم.

الاعتماد على أوكرانيا:

تعتمد القرم بشكل كبير على أوكرانيا في الطاقة والمياه، والتي تأتي معظمها عبر الشريط البري الرقيق الذي يربط شبه الجزيرة بأراضي البر الرئيسي الأوكرانية، كما يأتي نحو 80 بالمائة من كهرباء الإقليم عبر هذا البرزخ.

وتعهد حاكم إقليم كراسنودار جنوبي روسيا، والذي يفصله عن شبه جزيرة القرم امتداد مائي يعرف بمضيق كيرتش، تعهد بتوفير الكهرباء لشبه الجزيرة من خلال بناء نظام إمداد تحت المياه.
وقال مسؤولون آخرون إن القرم ربما تحتاج إلى بناء محطة كهرباء خاصة بها، وهو مشروع ربما يتكلف نحو 1.7 مليار دولار، حسبما قدر محللون.

وسبق أن تعهدت روسيا بدعم البنية التحتية في الإقليم، وكانت ثمة مباحثات بين موسكو وكييف حول بناء جسر فوق مضيق كيرتش منذ أكثر من عقد، لكن المشروع تعثر مرارا. وخلال الأسابيع الماضية، أحيا مسؤولون روس المشروع، الذي يقدر بأنه سيستغرق سنوات ويتكلف خسمين مليار روبل (1.4 مليار دولار) على الأقل، كما يناقشون حاليا بناء سكك حديدية ونفق تحت الماء عبر المضيق.

وحتى مع تهديد حكومة القرم بتأميم ممتلكات الحكومة الأوكرانية، تعهدت كييف بعدم إيقاف إمدادات الطاقة والمياه.

تيموشي آش، المحلل بمصرف ستاندارد بنك، قال "(حكومة كييف) حريصة على الظهور بمظهر العاقل والمعتدل في كل هذا، إنها لا تريد منح الروس ذريعة لمزيد من التدخل. خطورة العند هي أنه ربما يقرر الروس التدخل في مناطق أخرى حول القرم لتأمين إمدادات المياه والمرافق."

تغير صغير بالنسبة لروسيا:

حتى لو أضافت كل هذه المشروعات مليارات الدولارات، فلربما لا تزال تمثل تغيرا صغيرا بالنسبة للحكومة الروسية.

ناتاليا أورلوفا، كبيرة الاقتصاديين في ألفا بنك، قالت "هذه ليست صفقة كبيرة بالنسبة للميزانية الروسية. حتى إذا أنفقت خمسة مليارات دولار أو عشرة مليارات دولار، فهذه الأموال لن تغير الأمور بشكل كبير."

يشار إلى أن روسيا كانت تحتفظ بما يزيد على 170 مليار دولار في صناديق طوارئ بنهاية فبراير / شباط. واستفادت من هذه الأموال في محاولة دعم نظام الرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش، الذي فر إلى روسيا الشهر الماضي.

الفساد:

زعمت أورلوفا كبيرة الاقتصاديين في ألفا بنك أن انضمام القرم يمكن أن يتحول في الواقع إلى أمر إيجابي بالنسبة للاقتصاد الروسي على المدى القصير، لأن الاستثمار قد يؤدي إلى طفرة استهلاكية في القرم.

لكن لطالما عرف عن شبه جزيرة القرم أنها مركز للجريمة المنظمة، كما أن تردد حكومة كييف منذ فترة طويلة في التدخل في شؤون الإقليم، الذي يتمتع بالحكم الذاتي أدى إلى ازدهار ثقافة الفساد في الإقليم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

 

دلالات
المساهمون