صاحب اندلاع الثورات العربية في عام 2011، ظهور ونمو العديد من التنظيمات المتطرفة، خصوصاً بعد اتخاذ الثورة السورية مسارًا دمويًا. ورغم أن هذه التنظيمات جذبت إليها آﻻف الشباب من مختلف دول العالم، إﻻ أن الشباب العرب ظلوا يشكلون أغلبية أفرادها، فوفقًا لتقرير نشرته مجموعة صوفان فإن معظم المقاتلين اﻷجانب في سورية والعراق-أماكن الوجود اﻷكبر لهذه التنظيمات-في عامي 2014 و2015 من الدول العربية والشرق اﻷوسط.
التضخم الكبير في أعداد الشباب المنضمين إلى مثل هذه التنظيمات المتطرفة- يصل عدد تنظيم "داعش" المتطرف فقط إلى 50 ألف مقاتل- طرح العديد من اﻷسئلة، كان أهمها عربيًا؛ "لماذا ينضم الشباب العرب إلى مثل هذه التنظيمات المتطرفة؟". ومع اﻻعتراف بصعوبة حصر أسباب انضمام الشباب العربي إلى الجماعات المتطرفة، وصعوبة وضع خطوط واضحة فاصلة بين دوافع التطرف التي تتسم بالتشابك والتعقيد- حتى لدى الفرد الواحد-، فإننا نحاول في هذا التقرير تسليط الضوء على جزء من هذه الدوافع عبر تناول محوري اﻻستبداد السياسي والفقر والتهميش اﻻجتماعي كسببين محتملين- إلى اﻵن- ﻻنضمام الشباب العربي إلى الحركات المتطرفة.
اﻻستبداد وفشل الدولة العربية الحديثة
يربط الباحث السياسي محمد العربي، بين اﻻستبداد السياسي الذي أدى إلى فشل دول ما بعد اﻻستعمار على مستوى الهوية والإنجاز، وبين انضمام الشباب إلى التنظيمات المتطرفة، حيث يعتبر أن التنظيمات المتطرفة المتجاوزة لمنطق الدولة الحديثة، في أحد جوانبها، ردة فعل على فشل الدولة العربية ذات الصيغة الاستبدادية في تحقيق أهم وظائفها الـتـي كانت منوطة بها في مرحلة ما بعد الاستعمار، وهي عملية الإدماج الوطـنـي، سواء على مستوى إدماج الطوائف والمكونات الاجتماعية في بنية الدولة وعملياتها السياسية، أو على مستوى إدماج الأفراد باعتبارهم مواطنـين كاملي الحقوق والأهلية، وهو ما يصطلح عليه بالتهميش السياسـي، الذي خلق من ناحية أزمة في الهوية الوطنية والقومية جعل مواطنو هذه الدول يتبنون الانتماء إلى كيانات متجاوزة مثل الدين أو المذهب، ومن ناحية أخرى، خلق هذا الفشل حالات من الاغتراب خاصة لدى القطاعات الشابة.
وبحسب العربي، فهذا ما دفع تنظيم مثل الدولة الإسلامية ﻷن يستثمر في هذا العوامل التـي قد نطلق عليها "عوامل الخراب"، فمن ناحية استغل فراغ الدولة وبنـى آلة عنف رهيبة، والأهم والأخطر أنه قدم أيديولوجيا مبسطة بها حلول لهؤلاء الذين يسعون لبناء "عالم جديد" أقرب للمدينة الفاضلة التـي لم يستطع هؤلاء الشباب تحقيقها في بلادهم.
لكن من المهم اﻷخذ في اﻻعتبار التوقيت الذي زاد فيه تعبير الشباب العربي عن كفرهم بالدولة العربية الحديثة، واتخذوا العنف سبيلًا لهدمها، فهذا التوقيت مرتبط بشكل أساسي بفشل/ تعثر ثورات الربيع العربي واحدة تلو اﻷخرى، وفقدان اﻷمل في التغيير السلمي. حيث تسبب انسداد أفق التغيير عبر الوسائل السلمية أو تعثره، إلى صرف الشباب الذين شحذوا قواهم وتحمسوا للتغيير بالتحول من السلمية إلى العنف، سواء بهدف إحداث التغيير فعليًا أو للثأر ممن أفشلوا وﻻدة التغيير المنشود. بحسب الباحثة في علم اﻻجتماع السياسي، رابحة سيف علام.
واعتبرت علام، في ورقة بحثية لها بعنوان "لماذا ينضم الشباب من دول الربيع العربي إلى للجماعات الراديكالية المسلحة؟"، أن فشل التحول الديمقراطي السلمي عبر الربيع العربي أضاف الكثير إلى حجج الجماعات الراديكالية المسلحة عن عدم إمكانية التغيير السلمي في دول أصبحت هياكلها غير قابلة للإصلاح، ومن ثم دقت ساعة العمل على هدمها بالقوة وإعادة بنائها على أسس شرعية متشددة.
نستطيع إذًا القول إن الاستبداد السياسي أدى إلى فشل الدولة العربية الحديثة وبالتالي كفر الشباب بها وفقدانهم لهويتهم وانتمائهم، كما نستطيع القول، أيضًا، أن تعثر الثورات العربية كان شرارة الشباب العربي للتعبير عن كفرهم بالدولة العربية الحديثة وبحثهم عن هوية وانتماء جديدين عبر اﻻنضمام إلى التنظيمات المتطرفة التي روجت لنفسها على أنها بديل الدولة العربية الحديثة الفاشلة.
الفقر والتهميش اﻻجتماعي
يقول الباحث في العلوم السياسية، عمر سمير خلف، في ورقة بحثية له بعنوان "اﻷبعاد المحلية لانضمام الشباب لحركات العنف الراديكالية"، إن الحاﻻت التي تشهد نشاطًا واسعًا لجماعات العنف الراديكالية التي تستهوي الشباب، تعاني من تشوهات اقتصادية واجتماعية وخلل كبير في توزيع الدخول ومعدلات عالية من البطالة بالذات في الدول التي تشهد صراعًا سياسيًا ممتدًا.
ويضيف خلف أنه في البلدان التي تعاني من صراعات ممتدة ومستمرة يصبح اﻻنضمام إلى الجماعات المتطرفة أمرًا مربحًا، ففي بعض الحالات التي تضيق اﻷنظمة السياسية فيها الخناق على مناطق محددة لمدد طويلة يصبح اﻻنضمام إلى تلك الجماعات الملاذ اﻷخير من الجوع والفقر وينطبق هذا بشكل واضح على سوريا والعراق.
فعلى سبيل المثال، تخلى بعض مقاتلي الجيش السوري الحر عن مواقعهم، التي كانت تدر عليهم 60 دولارًا شهريًا، للانضمام إلى جبهة النصرة التي عرضت عليهم 300 دوﻻر شهريًا، ثم التحقوا فيما بعد بتنظيم الدولة اﻹسلامية الذي عرض عليهم رواتب أعلى.
أما عن السعي إلى اكتساب مكانة اجتماعية عبر اﻻنضمام إلى الجماعات المتطرفة، فهذا يظهر بشكل أوضح في الحالة المصرية. إذ أورد الباحث في علم اﻻجتماع السياسي، شريف محي الدين، في ورقة بحثية له تحت عنوان "الراديكالية المصرية وموجات الصعود والهبوط"، أن أحد دوافع انضمام الشباب إلى تنظيم "وﻻية سيناء" التابع لداعش؛ السعي إلى اكتساب مكانة اجتماعية في النظام القبلي القائم هناك، ويكون الساعون إلى اكتساب هذه المكانة أفراد في أدنى السلم اﻻجتماعي بحكم وضع عائلاتهم أو القبائل الصغيرة التي ينتمون إليها.
هذا على المستوى المحلي للدول التي تشهد صراعات، فهل يمكن أن يكون الفقر عاملًا جاذبًا لشباب من دول أخرى للانضمام إلى تنظيمات متطرفة؟
يرى الباحث شريف محي الدين، أن انضمام الشباب إلى جماعات متطرفة في دول أخرى، بسبب فقرهم ومعاناتهم اقتصاديًا، أمر صعب ﻷنه يحمل مخاطر عالية جدًا، ولأن الجماعات المتطرفة، في سعيها ﻻجتذاب الشباب، ﻻ تطرح نموذج غناء وثراء بقدر ما تطرح نموذج البطولة الشخصية والتعبير عن الغضب من الظلم واﻻستبداد، وأن ما يتم ترويجه، في وسائل اﻹعلام، من أن التنظيمات المتطرفة تقدم إغراءات مالية كبيرة للمقاتلين فيه مبالغات كبيرة.
ويدلل محي الدين على ذلك بأن العديد من التقارير واﻷبحاث تشير إلى أن جزءًا كبيرًا من المقاتلين اﻷجانب في صفوف الجماعات المتطرفة في سورية والعراق- خاصة داعش-، ذوي دخول مادية جيدة، وأن انضمامهم جاء ﻷسباب عقائدية أو سياسية غالبًا.
وهكذا يبدو أن اﻻستبداد السياسي والفقر والتهميش الاجتماعي- على المستوى المحلي على اﻷقل-، وما نتج عنهما على مدى عقود، ساهما بشكل أساسي في الوصول إلى اللحظة الحالية، حيث آﻻف الشباب الذين يعبرون عن رفضهم الواقع وفقدانهم الهوية باﻻنضمام إلى التنظيمات المتطرفة.
(مصر)