ثلاثة أجيال في "جبل النظيف"

06 فبراير 2015
مقطع من "عمان - وسط البلد" لشارلوت فرحان
+ الخط -

يتمسّك الكاتب إبراهيم أبو عواد في روايته "جبل النظيف" (دار الكوكب ـ رياض الريس) ببيئتين تتداخلان وتتطوران عبر السرد. الأولى جغرافية، والثانية نفسية. فمكان الرواية ثابت تقريباً، جبل النظيف، المسرح الاجتماعي الفقير، المهمل، الذي تتوالد فيه الأحلام والأهداف والرغبات. ما يمدّ شخوصه بميزات إنسانية تتوارى تارةً، وتظهر فجة إلى العلن تارةً أخرى. وما يفسح المساحة لألوان شتى من الشخصيات، تقف على حافة الهزيمة.

يضع الكاتب بين أيدينا جيلين من شخصيات آل المخلوسي. الأبناء والأحفاد. أما المؤسسان، الجد والجدة فهما غائبان بحكم وفاتهما، ولا تظهر تركتُهما النفسية أو مآثرهما إلا لماماً. غير أن عدم حضورهما يتناغم تماماً مع غياب أي صورة لهما في الرواية.

إذ إنهما منتهيان بحكم نمط الحياة المكرّسة والمتهالكة، وضجة التفاصيل وتوالد المصائب اليومية. وبالتالي، يتناقل الحاضر زمام الحكاية برمتها. أما اللحظات الآفلة، فعليها أن تنتظر قليلاً قبل أن تحضر مرتبكة، مشوشة، وبظل طفيف وسلطة قصيرة ومؤقتة.

الجيل الثاني في الرواية يبدو أكثر غرقاً في بيئته واستسلاماً لها من شخصيات الجيل الثالث، الأبناء الذين يلوِّنون بدينامية أكبر العمل الروائي، ويشكّلون إطاراً لطموحات ورغبات وأحلام وأهواء، كما يشكّلون مدخلاً لشخصيات ثانوية أخرى تلعب دوراً رئيساً في حياة كل منهم، وفرعياً في حياة العائلة ككل. فلكل شخصية مسار مينيمالي، ضيق، لا يؤرق العالم الكبير، إلا أنه يرسم لكل منها أحلامها وإن مُجهدةً، ويشي بمستقبل لا يقبل المساومة.

الجبل يمثل بالنسبة إلى هؤلاء كقبر يحاصر أنفاسهم. في الوقت عينه فإنه كمخزن للتقاليد والأعراف الاجتماعية والمغالطات الميتافيزيقية، يطلق فيهم أصواتاً تثور تارة على بيئتها وتهمد تارة أخرى. فهي شخصيات تغالبها الظروف وتنهزم في نهاية المطاف أو ترحل أو تموت. الجبل فخّها الدائم.

الرواية تستفيض بالاستعارات والتشابيه الشعرية المستقاة من مصدرين، علمي وعسكري. ما يجعل منها بطانة للسرد، تتفق معه أو تتنافر. ومع ذلك، يتلاعب الكاتب بنسيج شخصياته، فيمسخها أحياناً، كما يمسخ الحدث، بدفعه إلى حدود قصوى. وهو ما يترك في العمل سلوكيات جنونية أو غرائبية نلمس أحياناً طرافتها أو خضوعها أو تورطها في مفارقة أو مأزق "صغير".

كذلك، فإن أبو عواد يبقي على الجبل معزولاً عن محيطه (وسط البلد، رغم تماسه البشري معه أحياناً، وصلته كبيئة جغرافية بأحداث أيلول 1970)، ما يجعل المكان نفسه بطلاً رئيساً وحاضناً دائماً للحدث.

دلالات
المساهمون