كأنَّها مواجهةُ غريبٍ لغريب

23 يوليو 2024
طفل يقود دراجته بين مبان دمرها العدوان في حي الشيخ رضوان بغزّة، 3 تموز/ يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الشاعر يعبر عن رؤية حزينة للمستقبل، حيث يرى أن الماضي الدافئ سيحل محله ليل طويل مليء بالمحارق، وأن الحياة ستصبح بلا روح أو أمل.
- الأطفال بعيونهم الواسعة يمثلون الشهادة الصامتة على الزمن، حيث فقدوا القدرة على الرؤية والتعبير، لكنهم يحملون في داخلهم بركانًا من الجليد.
- القصائد ترفض الموت وتستمر في محاصرة الزمن، تعبر عن الوعي بأننا جميعًا إلى تراب، وتكشف عن هدايا لم نستحقها مثل الوعي والنار.

أزمنة

أراهُم
يتقدَّمون من ماضٍ دافئ 
حاملينَ المشاعل التي
ستأتي بليلٍ طويلٍ تُلهبه المحارق 
أراهُم
سيبتلعونَ، وهم موتى، كلَّ الهواء 
وفي العراء سينتصبُ الحطب 
بلا عصفور يغطُّ على غصن

كان لآخرين 
أن يشهدوا قدر ما تسع حياة إنسانٍ
الصبح يُشقشق 
والهمهمات الأُولى للأطفال
كان لآخرين
أن يشهدوا قدر ما تسع حياة إنسانٍ
هدأةَ نهرٍ بطيء
أو مبارزات الكلام الضاحك.

لكُلٍّ نصيبُه من الأزمنة
ولي أنّي أرى
بالحزنِ المُدقع وتسليمه
شرارات اللَّيل القادمِ من ورائنا
وشحّ النسغ في التين ونضوب العيش
وأنْ أكتب للَّاأحد 
وأُغنّي أُغنيات الموتى السَّابقين 
وأشمل الأزمنة كلَّها بنظرة هازئة.


■ ■ ■


أطفالٌ بعيونٍ وسيعة

العيونُ المفتوحة
بأقصى اتِّساعها
ممحُوّة
لا كالجواهر المُقتلعة 
من تماثيل البرونز
فظلَّت فاغرة كالنداء

بل مثل حدقات آلهة منحوتة
عصفت بها أبداً
غضباتُ الريح وصبر المطر

ليست ترى الآن
فقد أبصرت الدَّهر 
ومَحته

ليست تحكي
فهي الشهادة
لا تنقص

ليست تنير
من ظلمةِ بئر البشر  
من عتمةِ قلوبهم

عيونٌ تتفجّر
بركانَ جليد
يقذفُ شظاياه المُسنَّنة 
في كلّ ذي روح.


■ ■ ■


قصائد السفر 

(1)

الفاتح يرفض موتاً
على السرير

وها القصائد ترفض أيضاً 
موتها
في الغُرف وعلى الطاولات 

كأنّها تُحاصر أسواراً من زمن صلدٍ
كأنّها تعدو في سهولٍ من حشيش الذاكرة 

علّها تفتح كلمةً
واحدةً
فقط

كمَحارةٍ لزجةٍ قلبُها
دبقةٍ على أطراف الأصابع

(2)

ثمّة في كلِّ سفرٍ
صوتٌ ممتدٌّ لا ينقطع
في خلفيّة مشهد بلا كاميرات 

صدى انفجار صغير
على قياسنا 
يقذفنا عبر المسافات

على نسيج هذا الصوت
نُطرّز 
صوراً وكلماتٍ وحياةً 
على قياسنا

(3)

كأنَّ الكلمة لا تطلع 
إلّا من مفارقة

كأنّها بنت انشقاق

الكلمة معلّقة أبداً 
بين أزمنة كثيرة

كأنّها مواجهة غريب لغريب.


■ ■ ■


هدايا لم نستحقّها

(1)

لم يحمل أحدٌ إلينا
تلك النار هديّةً 

ما سرقه من الآلهة
كان الهديّة الأثمن:

الوعي
بأننا
جميعاً 
إلى تراب

نحفر في هذا التراب
نجد النار
نتلهّى بها عن التراب

لا يليق البشرُ بمثل هذا الوعي النفيس
لو دروا قيمته ما فرّطوا يوماً بترابهم.

(2)

لو دروا
بأنّنا
جميعاً
ما تناحروا

لكن الوعي دائماً
مزيفٌ
ونحن نسّاؤون.

(3)

ما يطلب ذاك الميّت؟
لا شيء
لكنّه يُغنّي

لو دروا 
بأنّنا
على هذه الأرض 
ما خافوا أن تسجُننا.

(4)

لا داعي للحُفر 
هي في كلٍّ منَّا
هي ما ننسى فنشقى 
وما نعي فنأسى

لأنّنا لم نستحقّ كثيراً:
هذا البحر، هذه السَّماء، هذا الوعي،
نور الغروب، ولا الأسماء كلّها.


* شاعر وناقد موسيقي من لبنان

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون