تونس: هل يتراجع شفيق صرصار عن استقالته؟

11 مايو 2017
اتصالات مكثفة لثني صرصار عن الاستقالة (أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -

تغيرت المعطيات المتعلقة باستقالة رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية، شفيق صرصار، وعضوي اللجنة مراد بن مولي ولمياء الزرقوني، إذ رغم تشبثهم الظاهر بقرارهم، جرت اتصالات على مدى الثماني والأربعين ساعة الأخيرة، بين صرصار وجهات عدة، قد تنتهي بتراجعه عن الاستقالة

وشدد رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية، في تصريحاته الأخيرة، وخلال الاستماع إليه من قبل لجنة النظام الداخلي، على أن الأمر وصل إلى "حالة انسداد تام تصعب معها مواصلة العمل بالهيئة"، إلا أن الموقف بدأ يلين أخيرا، بعد الاتصالات التي انهالت عليه إثر إعلان استقالته، والتي دعته إلى التراجع. 

وقد انتقل صرصار، بعد الاتصالات المكثفة، من "التخلي النهائي" إلى "العودة المشروطة" بتغيير ظروف العمل داخل الهيئة

ولا يزال الضغط متواصلا على المستقيلين الثلاثة من أجل ثنيهم عن القرار، وهي مرحلة توقّعها رئيس الهيئة، وبرر عدم استشارته للرئاسات الثلاث في المسألة، لأن الأمر يتعلق بحياده عن هذه المؤسسات، التي ستدعوه حتما إلى عدم التنحي عن منصبه، مثلما عبر عن ذلك داخل لجنة النظام الداخلي.

ولم يكن صرصار جازما بشأن الاستقالة من خلال حديثه أمام اللجنة، مبرزا أنه سيواصل العمل لغاية إعداد الانتخابات البلدية، حتى لا يعطل عمل الهيئة وإعدادها للمحطة الانتخابية المقبلة.

وتلقى رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات اتصالات من الرئاسات الثلاث، كما حاول الاتحاد العام التونسي للشغل إقناعه بالعدول عن الاستقالة، وبالتوازي مع ذلك سعى عضوان من الهيئة إلى إقناعه وزميليه المستقيلين بالرجوع عن قرارهم، مع التعهد بـ"تغيير نمط العمل"

وأجمع ممثلو الكتل النيابية على دعوة صرصار إلى التراجع عن استقالته لسببين، أولهما يتعلق بشخصه، إذ يعد شخصية تحظى بإجماع وطني في ما يتعلق بنزاهته، وثانيهما لأن شلل الهيئة لن يخدم أي طرف في ظل الظرف السياسي الحالي. 

وذكر صرصار أنه سيواصل اتصالاته قبل البت في المسألة، فيما لم تكن حججه لتبرير الاستقالة محل اهتمام النواب، بقدر حرصهم على وضعه أمام "مسؤوليته الوطنية وتحميله مسبقا عبء فشل الانتخابات المحلية المقبلة في حال واصل تعنته حول التراجع عن استقالته"

وبدت التبريرات التي قدمها صرصار، برفقة العضوين المستقيلين، أمام لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين الانتخابية، غير مقنعة بالمرة للنواب، بسبب "قناعة" لدى أعضاء اللجنة بأن رئيس الهيئة تفادى الخوض في الجانب السياسي للمسألة حفاظا على حياده، مكتفيا بالحديث عن "خلافات داخلية في مجلس الهيئة"

وبتفاصيل دقيقة مدعومة بالوثائق، تحدث صرصار عن وجود "شرخ عميق داخل مجلس الهيئة، عطل عملها، واستهدف شلها بالكامل، بعد إقدام خمسة من أعضاء المجلس على حل الجهاز الإداري للهيئة، في إطار عقاب جماعي لموظفيها"

ووفق ما عبر عنه صرصار في كلمته أمام نواب اللجنة، فإن الأعضاء الثلاثة الجدد، مع اثنين من المنتخبين سابقا (من أصل تسعة)، كونوا "مجلسا موازيا" لمجلس الهيئة، تتخذ في إطاره القرارات، وتأتي جاهزة للهيئة للمصادقة عليها.


ونفى المتحدث ذاته أن يكون سبب استقالته أنه كان يمثل "أقلية"، معتبرا أن هذا الوضع كان في أغلب نقاشات الهيئة قبل تجديد تركيبتها، مبرزا أنه كان "حوارا راقيا بين أعضائها، وكان مثريا لأعمالها، لا سببا لتعطيلها، وغالبا ما ينتهي الأمر بالتوافق".

وأشار إلى أن الأعضاء الثلاثة الجدد، وبمجرد انتخابهم في الهيئة، تحالفوا مع عضوين من المجلس القديم، ليحولوا الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى حلبة لاستغلال النفوذ والاستقواء على الموظفين، وهو أمر رفضه صرصار، ليأتيه الرد في السابع من مايو/ أيار الجاري بمطالبته بالاستقالة والتخلي عن منصبه. 

ووصف رئيس الهيئة ممارسات أعضاء مجلسها بـ"الممارسات البوليسية"، قائلا إن "العاملين بالهيئة لم يعودوا آمنين على أسرارهم ومعطياتهم الشخصية، وكيف يمكن لهم أن يعدوا انتخابات بحياد ونزاهة في حين يواجهون ممارسات لم تستعملها حتى أعتى النظم الاستبدادية؟"

وإذ وصف نواب اللجنة، التي شهدت حضورا مكثفا لممثلي الكتل البرلمانية والصحافة والمجتمع المدني، الحجج التي عرضها صرصار على أهميتها بـ"غير المقنعة"، وطالبوا بـ"الكشف عن الحقيقة كاملة"، في ظل حديث عن أن تحالف خمسة أعضاء ضده يعد بمثابة "انقلاب داخلي"، ذكر أمين عام حزب "التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، أن "من المؤكد أن أطرافا خارجية تقف وراء الانقلاب". 

وعرض الشواشي خيارين على رئيس هيئة الانتخابات، قال إنهما "تحتّمهما المسؤولية الوطنية قبل الواجب الأخلاقي"، أولهما الرجوع عن الاستقالة، وثانيهما استقالة كافة أعضاء مجلس الهيئة، "لأنها فقدت مصداقيتها إثر هذا الخلاف، ووجب انتخاب أخرى لتعويضها"، حسب قوله.

وذهبت النائبة عن "الكتلة الديمقراطية"، سامية عبو، إلى أبعد من ذلك، مطالبة بـ"تشكيل لجنة تحقيق برلمانية من قبل المعارضة"

ويكفل الدستور التونسي للمعارضة البرلمانية تشكيل لجنة تحقيق واحدة في الدورة البرلمانية، ميزتها أنها لا تخضع لإجراءات تشكيل مثيلاتها التي يتقدم بها عموم النواب، إذ لا تتطلب مصادقة الجلسة العامة عليها وتوفر الأغلبية المطلقة لإنشائها، وإنما تقتصر الإجراءات على طلب موقع من قبل ثلاثين نائبا من المعارضة، ويوفر لها البرلمان وسائل العمل المطلوبة.






دلالات