12 نوفمبر 2024
تونس.. من "التأسيسي" الصاخب إلى البرلمان الساكن
مثّل انتخاب المجلس الوطني التأسيسي لحظة فارقة في تاريخ تونس، باعتباره فاتحة الدخول الى زمن الانتقال الديمقراطي، وتجسد التعددية السياسية في كتل برلمانية، تشارك في صياغة الدستور ووضع الأسس للجمهورية الثانية، وعلى الرغم مما كان يشهده المجلس من نقاشات حادة وحوارات ساخنة، فقد كان خير تعبير عن حيوية المشهد السياسي وتفاعل النواب المنتخبين مع مشاغل الشارع وحاجاته. وهو ما أحدث حينها متابعة واضحة من جمهور المواطنين، حيث كان البث المباشر لجلسات المجلس يحقق نسبة مشاهدة عالية، وتعليقات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، غير أنه، ومنذ انتخاب مجلس نواب الشعب، في أكتوبر/تشرين أول 2014، يمكن أن نلاحظ تراجعاً واضحاً في اهتمام الشارع بأشغال المجلس، وحالة من الفتور في نشاط النواب لصالح الحضور الإعلامي للوزراء وزعماء الأحزاب.
ويمكن تفسير هذه الظاهرة بجملة من العوامل المؤثرة، لعل أهمها غياب شخصيات وازنة عن المجلس النيابي الحالي، ففي مقابل الحضور القوي لكتل برلمانية فاعلة في المجلس التأسيسي وتدخلات نيابية مثيرة لشخصيات سياسية رفيعة، من أمثال أحمد نجيب الشابي وعبد الرؤوف العيادي ومية الجريبي وأحمد إبراهيم والفاضل موسى ومصطفى بن جعفر، نلاحظ أن نسبة كبيرة من ممثلي الأحزاب في ظل المجلس النيابي الحالي يفتقرون إلى الكاريزما والثقافة السياسية الفعلية والتعبير عن مشاغل الشارع، فنواب "نداء تونس"، مثلاً، وهم يشكلون الكتلة الأكبر، يفتقرون إلى الفاعلية، ويبدو أن حضورهم يقتصر على تأييد ما تقترحه الحكومة من مشاريع قوانين، بل يكتفي بعضهم بطرح قضايا تكاد تكون هامشية، مثل حديث بعضهم عن مقابلة كرة قدم واتهام الحكم بالميل ضد الفريق الذي يشجعه السيد النائب (هكذا). كما أن أحد العوامل المؤثرة على أداء نواب المجلس، في صورته الحالية، هو حالة التوافق بين نواب أكبر كتلتين نيابيتين، ونعني بهما نواب حركة النهضة ونواب نداء تونس، بالإضافة إلى نواب بعض الأحزاب الصغيرة المتحالفة معهما.
وخلافاً لما كان يجري في المجلس التأسيسي، حيث كان يتم استدعاء الوزراء لمحاسبتهم وبشدة، عند كل تجاوز، وأحياناً يتم تحميل الوزراء مسؤولية حوادث اجتماعية، أو جرائم حاصلة، يعتقد النواب أن الوزارة قصرت في التعامل معها، مثلما حصل في طلب حجب الثقة عن وزيرة شؤون المرأة والأسرة في حكومة الترويكا، عندما تمت مساءلتها على خلفية اغتصاب أحد الأطفال في روضة، (حدث نظيره في ظل الوزارة الحالية، ومر في صمت مطبق من المجلس النيابي)، حيث أن ما يمكن تسجيله، اليوم، غياب أي مبادرة للمساءلة، أو المحاسبة، أو حتى للاحتجاج على أخطاء ومشكلات، أثارها وزراء في الحكومة الحالية على نحو ارتباك أداء وزير الخارجية، وفشل تعامله مع قضايا خارجية كثيرة شائكة، أو تعثر عمل وزير التربية، وما شهده القطاع الراجع إليه، بالنظر إلى إضرابات وحالة من التوتر مع النقابات التي تمثل القطاعات التي تدخل في نطاق صلاحياته، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على وزارات أخرى، مثل السياحة والداخلية وغيرها، في ظل أحداث مؤثرة وخطيرة، تستحق أن يبذل المجلس جهداً من أجل تقديم توضيح شاف للمواطنين، ومراجعة ممارسات وزارية كثيرة أو تلك التي أقدم عليها بعض مستشاري رئيس الجمهورية، ممن يتصرفون وكأنهم بصدد حكومة موازية خارج المحاسبة أو المتابعة.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن أن ننفي وجود بعض الاضطراب في المجلس التأسيسي، والخلل لدى بعض النواب فيه، ممن غلب عليهم الأداء الاستعراضي، غير أنه، وفي مجمل أدائه، كان يقظاً وفعالاً ومؤثراً في المشهد العام، الأمر الذي جعله محط أنظار الشارع، بوصفه سلطة فعلية، لديها القدرة على المحاسبة، واتخاذ القرار وغير خاضع للحكومة أو للرئاسة، وإنما هو سلطة فعلية، وهو ما يفتقده البرلمان الحالي.
وإذا كان المجلس التأسيسي قد اتسم بقدر واضح من التأثير، بل وكان، في أحيان كثيرة، يعطل أداء الحكومة، وغلبت على أداء بعض الكتل فيه روح المناكفة السياسية، والسعي الى إظهار فشل الأحزاب الحاكمة، وبشكل مبالغ فيه، ما أفضى إلى إحداث صورة سلبية في أذهان بعض الناخبين، ممن تعودوا على الصمت المطبق الذي كان يسود برلمانات ما قبل الثورة، فإنه يمكن القول، إن المجلس الحالي يبدو أقل فاعلية ومتابعة للأداء الحكومي، إلى الحد الذي غابت معه الروح النقدية والمحاسبة الضرورية لعمل الهياكل التنفيذية، وتحول إلى مجرد غرفة لتسجيل المشاريع والتصويت عليها، على أنه لا يمكن نفي أهمية الاستقرار البرلماني المتولد عن وجود كتلة أغلبية داعمة للحكومة، تمكنها من التسيير من دون عقبات، ومن دون الوقوع في مطب الخضوع لابتزاز الأقليات البرلمانية في حالة التشظي الانتخابي، غير أنه من الضروري أن يحتفظ مجلس الشعب باستقلالية إزاء رئيسي الحكومة والجمهورية، وأن يزاول دوره التشريعي والرقابي بكل حرص ومسؤولية. فالبرلمانات لا تنتخب لتتحول إلى مجرد كيانات ثانوية، أو شكلية، على النحو الذي نراه في الدول الاستبدادية، ملكية كانت أم رئاسوية، وإنما هي سلطة فاعلة وقادرة على منح الثقة وحجبها، وعلى المحاسبة والتعديل في القرارات، وهو أمر يستوجب ثقافة سياسية وقدرة فعلية على المتابعة من النواب، وهو أمر تفتقد إليه نسبة مهمة من نواب البرلمان التونسي الحالي، ممن جاء بهم المال السياسي، أو الحسابات الضيقة خارج منطق الكفاءة والقدرة.
خلاصة القول إن تونس، وهي تخوض تجربة انتقالها الديمقراطي، بحاجة إلى تثبيت مؤسساتها ومنع عودة تغول السلطات على بعضها بعضاً، أو التداخل بين الحزب الحاكم وأجهزة الدولة، وهو أمر يتطلب تعاضد جهود النواب، كرقابة من داخل السلطة وجهود الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني بوصفها رقابة من خارج السلطة، مهمتها التنبيه إلى كل التجاوزات التي قد تلحق جهاز الحكم بنُظمه المختلفة.
وخلافاً لما كان يجري في المجلس التأسيسي، حيث كان يتم استدعاء الوزراء لمحاسبتهم وبشدة، عند كل تجاوز، وأحياناً يتم تحميل الوزراء مسؤولية حوادث اجتماعية، أو جرائم حاصلة، يعتقد النواب أن الوزارة قصرت في التعامل معها، مثلما حصل في طلب حجب الثقة عن وزيرة شؤون المرأة والأسرة في حكومة الترويكا، عندما تمت مساءلتها على خلفية اغتصاب أحد الأطفال في روضة، (حدث نظيره في ظل الوزارة الحالية، ومر في صمت مطبق من المجلس النيابي)، حيث أن ما يمكن تسجيله، اليوم، غياب أي مبادرة للمساءلة، أو المحاسبة، أو حتى للاحتجاج على أخطاء ومشكلات، أثارها وزراء في الحكومة الحالية على نحو ارتباك أداء وزير الخارجية، وفشل تعامله مع قضايا خارجية كثيرة شائكة، أو تعثر عمل وزير التربية، وما شهده القطاع الراجع إليه، بالنظر إلى إضرابات وحالة من التوتر مع النقابات التي تمثل القطاعات التي تدخل في نطاق صلاحياته، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على وزارات أخرى، مثل السياحة والداخلية وغيرها، في ظل أحداث مؤثرة وخطيرة، تستحق أن يبذل المجلس جهداً من أجل تقديم توضيح شاف للمواطنين، ومراجعة ممارسات وزارية كثيرة أو تلك التي أقدم عليها بعض مستشاري رئيس الجمهورية، ممن يتصرفون وكأنهم بصدد حكومة موازية خارج المحاسبة أو المتابعة.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن أن ننفي وجود بعض الاضطراب في المجلس التأسيسي، والخلل لدى بعض النواب فيه، ممن غلب عليهم الأداء الاستعراضي، غير أنه، وفي مجمل أدائه، كان يقظاً وفعالاً ومؤثراً في المشهد العام، الأمر الذي جعله محط أنظار الشارع، بوصفه سلطة فعلية، لديها القدرة على المحاسبة، واتخاذ القرار وغير خاضع للحكومة أو للرئاسة، وإنما هو سلطة فعلية، وهو ما يفتقده البرلمان الحالي.
وإذا كان المجلس التأسيسي قد اتسم بقدر واضح من التأثير، بل وكان، في أحيان كثيرة، يعطل أداء الحكومة، وغلبت على أداء بعض الكتل فيه روح المناكفة السياسية، والسعي الى إظهار فشل الأحزاب الحاكمة، وبشكل مبالغ فيه، ما أفضى إلى إحداث صورة سلبية في أذهان بعض الناخبين، ممن تعودوا على الصمت المطبق الذي كان يسود برلمانات ما قبل الثورة، فإنه يمكن القول، إن المجلس الحالي يبدو أقل فاعلية ومتابعة للأداء الحكومي، إلى الحد الذي غابت معه الروح النقدية والمحاسبة الضرورية لعمل الهياكل التنفيذية، وتحول إلى مجرد غرفة لتسجيل المشاريع والتصويت عليها، على أنه لا يمكن نفي أهمية الاستقرار البرلماني المتولد عن وجود كتلة أغلبية داعمة للحكومة، تمكنها من التسيير من دون عقبات، ومن دون الوقوع في مطب الخضوع لابتزاز الأقليات البرلمانية في حالة التشظي الانتخابي، غير أنه من الضروري أن يحتفظ مجلس الشعب باستقلالية إزاء رئيسي الحكومة والجمهورية، وأن يزاول دوره التشريعي والرقابي بكل حرص ومسؤولية. فالبرلمانات لا تنتخب لتتحول إلى مجرد كيانات ثانوية، أو شكلية، على النحو الذي نراه في الدول الاستبدادية، ملكية كانت أم رئاسوية، وإنما هي سلطة فاعلة وقادرة على منح الثقة وحجبها، وعلى المحاسبة والتعديل في القرارات، وهو أمر يستوجب ثقافة سياسية وقدرة فعلية على المتابعة من النواب، وهو أمر تفتقد إليه نسبة مهمة من نواب البرلمان التونسي الحالي، ممن جاء بهم المال السياسي، أو الحسابات الضيقة خارج منطق الكفاءة والقدرة.
خلاصة القول إن تونس، وهي تخوض تجربة انتقالها الديمقراطي، بحاجة إلى تثبيت مؤسساتها ومنع عودة تغول السلطات على بعضها بعضاً، أو التداخل بين الحزب الحاكم وأجهزة الدولة، وهو أمر يتطلب تعاضد جهود النواب، كرقابة من داخل السلطة وجهود الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني بوصفها رقابة من خارج السلطة، مهمتها التنبيه إلى كل التجاوزات التي قد تلحق جهاز الحكم بنُظمه المختلفة.