لا يترك الاتحاد التونسي للصناعة والصناعات التقليدية (منظمة رجال الأعمال)، مناسَبة، إلا وينبّه إلى خطورة استمرار منع سفر قرابة 460 رجل أعمال ممن اتُهموا بالتعامل والاستفادة من نظام بن علي، على حساب الاقتصاد التونسي، إذ تُشير تقديرات الاتحاد إلى أن حجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد نتيجة هذا القرار تجاوزت 5 مليارات دينار (2.6 مليار دولار).
ودعت رئيسة الاتحاد التونسي للصناعات، وداد بوشماوي، مؤخراً، إلى ضرورة معالجة ملف رجال الأعمال الممنوعين من السفر، نظراً لاحتياج الاقتصاد التونسي إلى استثماراتهم ومؤسساتهم.
ويبدو أن هذا النداء وجد صداه لدى سلطة القرار، حيث دعا رئيس الجمهورية الباجي قائد
السبسي، في الخطاب الذي ألقاه 20 مارس/آذار الماضي، بمناسبة الذكرى 59 للاستقلال إلى "رفع جميع القيود وتذليل العقبات أمام رجال الأعمال الممنوعين من السفر كي يستعيدوا نشاطهم، بعد إبرام الاتفاقيّات الضّروريّة وصدور أحكام القضاء في شأنهم".
حصار المستثمرين
وتشهد الاستثمارات في تونس منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، انحساراً كبيراً، بسبب عدم رغبة المستثمرين المحليين في إنشاء مشاريع جديدة، نظراً لغياب ضمانات قانونية يمكن أن تحميهم من المحاسبة، خاصة بعد أن تم الزج بالعديد منهم ضمن قائمة الفاسدين والمتعاملين مع النظام السابق، كما تمت مصادرة ممتلكات البعض منهم دون أن يقول القضاء كلمته النهائية في القضايا المرفوعة ضدهم.
وزاد قرار منع السفر على عدد من رجال الأعمال، من تعقيدات الأوضاع الاستثمارية في تونس، لعدم تمكن المعنيين بهذا القرار من التنقل إلى الخارج لعقد صفقات جديدة، هذا إلى جانب تأثير قرار منع السفر على مصداقيتهم لدى شركائهم في البلدان الأجنبية.
ويرى رجل الأعمال، البشير بوجدي، أن مؤسسات رجال الأعمال الممنوعين من السفر مكبلة، وأن منع أصحابها من السفر شوّه صورة رجل الأعمال التونسيين وألحق الضرر بالاقتصاد، باعتبار أن هذه المؤسسات لا تعمل اليوم في ظروف عادية.
وقال بوجدي في تصريح لـ"العربي الجديد": "إن الثقة بدأت تتهاوى بين رجال الأعمال ومزوديهم الأجانب؛ جراء منعهم من السفر، واستحالة الاتصال المباشر بينهم".
المحاسبة أولاً
وقال نائب البرلمان عن حركة النهضة، حسين الجزيري، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "إن الوضع الاقتصادي القائم يُحتّم إنهاء ملف رجال الأعمال الممنوعين من السفر، في إطار مصالحة وطنية شاملة، على أن تكون التسوية قضائية ويخضع من تورطوا من رجال الأعمال
في الفساد إلى المحاسبة". وأكد أن الاقتصاد التونسي يحتاج في هذه المرحلة إلى كل إمكانياته المادية والبشرية، حتى يستعيد عافيته المفقودة منذ أكثر من أربع سنوات.
اقرأ أيضاً:
تراجع قيمة الدينار يهدّد الاقتصاد التونسي
وشدد رجل الأعمال، حافظ الزواري، على ضرورة محاسبة رجال الأعمال الفاسدين، وعدم القفز على المصالحة الوطنية لإغلاق هذا الملف، مشيراً إلى أن موازنة الدولة تضررت من رجال الأعمال الذين استفادوا من تعاملهم مع النظام السابق وتهربوا من القيام بواجباتهم الضريبية.
ولفت الزواري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى ضرورة عدم الزج بهذا الملف في اللعبة السياسية، والتعامل معه بشفافية، حتى وإن كان الاقتصاد يحتاج عودة رجال الأعمال الواقعين تحت طائلة أحكام قضائية.
أما رجل الأعمال محمد فريخة، فقد دعا إلى فك الحصار عن رجال الأعمال، والاستفادة من
المصالحة، لحث من لهم أرصدة بنكية في الخارج على تحويلها إلى تونس، وضخ هذه الأموال في الاقتصاد التونسي مقابل أن يدفع رجال الأعمال المتورطون في قضايا التهرب الضريبي ما عليهم للدولة، مستشهداً بالتجربة المغربية في هذا المجال والتي وفرت للمغرب نحو 3 مليارات دولار.
ويرى رجل الأعمال، منصف السلامي، أن الدولة يمكنها أن ترفع حظر السفر عن رجال الأعمال الذين تتعلق بهم قضايا ذات طابع ضريبي، مقابل تعهدهم بالمساهمة في جهود التنمية وبناء مشاريع صحية أو طرق لصالح الدولة.
وقال السلامي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن هذا الإجراء معمول به في العديد من دول العالم، مشيراً إلى أن المصالحة مع رجال الأعمال ستمكن الدولة من موارد ضريبية مهمة، وأن عودة رجال الأعمال إلى الاستثمار الداخلي سيقدم رسائل إيجابية للمستثمرين الأجانب الذين يترقبون ضمانات من الدولة للعودة إلى تونس.
حلول قانونية
واقترح أستاذ القانون الدستوري، قيس سعيد، على الحكومة صيغة قانونية لإبرام صلح جزائي
مع رجال الأعمال الممنوعين من السفر، مؤكدا أن عدد هؤلاء يبلغ فعلياً 460 مستثمراً.
وبين سعيد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن المبلغ المتوقع استعادته من رجال الأعمال الممنوعين من السفر يتراوح بين 10 إلى 13.5 مليار دينار (5 إلى 6.8 مليارات دولار)، مؤكداً أنه حصل على هذه التقديرات من مصادر حكومية.
في هذا الصدد، اقترح أستاذ القانون الدستوري ترتيب رجال الأعمال ترتيبا تنازليا من الأكثر تورطا إلى الأقل تورطا، ثم يتم إبرام عقود معهم في إطار صلح جزائي، وذلك بإنجاز مشاريع في الجهات المحرومة، ويتم ترتيب المحافظات في تونس ترتيبا تنازليا من الأكثر فقرا إلى الأقل فقرا، ويتولى رجال الأعمال الأكثر تورطا بناء المشاريع التي تتطلبها المنطقة على غرار المساكن والمستشفيات والمؤسسات التعليمية.
وتراجعت الاستثمارات في المناطق الداخلية في تونس بنحو 50% إلى 425 مليون دولار في النصف الأول من عام 2014، مقابل 850 مليون دولار في الفترة نفسها من عام 2013.
وتكونت قائمة رجال الأعمال التونسيين الممنوعين من السفر منذ بداية الثورة ومع أول حكومة، بعد سقوط حكومة بن علي برئاسة محمد الغنوشي، بهدف تهدئة غضب الشعب التونسي، حيث انطلقت القائمة بنحو 2000 رجل أعمال متورطين في قضايا فساد ورشوة.
اقرأ أيضاً:
اتهامات بمخالفات مالية تلاحق وزير المالية التونسي