ثمة هدوء ملاحظ في الحركة المسرحية التونسية هذا الخريف، على مستوى العروض على الأقل، إنه وضع يصحّ أن نسقط عليه العبارة الجاهزة "هدوء يسبق العاصفة". ففي بداية الشهر القادم تحتضن قاعات تونس العاصمة دورة جديدة (19) من "أيام قرطاج المسرحية".
هذه هي النسخة الثالثة من المهرجان بنسق ظهوره السنوي، بعد أن كان ينظّم كل سنتين. الإيقاع الجديد بات منعكساً على الساحة المسرحية، التي يتضح كل سنة أن إنتاجها بات يتركّز أكثر فأكثر في نهاية العام، حتى تكون الأعمال المسرحية جاهزة للعروض في المهرجان، في حين أنه في سنوات قليلة ماضية كانت بداية الخريف إحدى أنشط لحظات السنة المسرحية.
تمحوُر الإنتاج حول "أيام قرطاج" بات يصنع إلى حدّ ما حالة من الموسمية، وهي ليست أمراً خاصاً بالمسرح، فمثلاً يعرف قطاع النشر ذروته في الشهر الثالث من العام تزامناً مع "معرض تونس الدولي للكتاب".
ثمة إشكالية أخرى تتعلّق بـ"قرطاج" وهي بروز الصبغة المحلية، فتحويل التظاهرة إلى الفضاء الأكثر جماهيرية للعروض يجعل من كل جهات الإنتاج التونسية تلهث وراءه وتعدّل ساعتها حوله، في حين أن المهرجان ينبغي أن تكون له أبعاد انتقائية عالية، تسري على العروض التونسية والأجنبية على السواء. هكذا ننسى أن مهرجاناً دولياً يمثل فرصة للجمهور للتعرّف على تجارب غير التي يمكنه أن يشاهدها طيلة السنة.
تنطلق هذه الملاحظات من زاوية المتفرّج، لكن توجد زوايا أخرى للنظر في المسألة. "العربي الجديد" نقلت هذه الاعتبارات إلى المسرحيين. تقول الممثلة شاكرة رمّاح عن النسق السنوي لتنظيم المهرجان: "إنه خيار صائب، إذ يخلق حركية ثقافية في تونس ويحث المبدعين والفنانين على الإنتاج بنسق أعلى". رمّاح تشير إلى عامل آخر قد يساهم في تطوير جودة الأعمال المقدّمة وهو عودة الجوائز إلى التظاهرة بعد أن حُجبت في دورات سابقة.
من جهته، يرى المخرج ظافر غريسة أن التظاهرة "أصبحت فرصة سنوية، للأسف وحيدة، للبعض لتسجيل الحضور، خصوصاً الشركات المسرحية التي تتعامل مع المسرح كتعاملها مع الرغيف". ثمة جانب آخر يضيئه المسرحي التونسي، هذه المرة من داخل كواليس المهرجان نفسه، إذ يكشف أن "حسابات الميزانية تخلق مثل هذا الوضع، حيث يجري الاعتذار إلى فرق عربية لعدم توفّر إمكانية تغطية تكاليف السفر والإقامة، وبذلك يصبح البرنامج السنوي مُسقطاً تغلب عليه الأعمال التونسية".
هكذا، في الوقت الذي نظنّ أن "أيام قرطاج المسرحية" نقدّم الفرصة للأعمال التونسية للبروز، يجري خنق فرصها للتميّز. تسري على المسرح القاعدة نفسها المعروفة في علم التسويق "كثير من الإشهار يقتل الإشهار".