تونس: حكومة الوحدة قبل عيد الفطر وخلافات حول التفاصيل

18 يونيو 2016
يحاول السبسي إقناع الصيد بالاستقالة (فتحي نصري/فرانس برس)
+ الخط -
حدّد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي جدولاً زمنياً واضحاً، لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ينتهي بالضرورة قبل عيد الفطر، على أن تتواصل المشاورات بين ممثلي الأحزاب والمنظمات المعنية خلال الأيام المقبلة. ويلتقي زعماء هذه الأحزاب ورؤساء المنظمات، الأربعاء المقبل، للمصادقة على الإطار العام لعمل هذه الحكومة، وهو ليس برنامجاً مفصّلاً لعملها، إنما هي خارطة طريق لتحديد أبرز ملامح حكومة الوحدة. في موازاة ذلك، يواصل السبسي لقاءاته، بما في ذلك اجتماعه أمس مع الجبهة الشعبية، وسط ضغوط على رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد، للاستقالة. 

وفي السياق، اجتمع ممثلو أحزاب الائتلاف الحاكم (نداء تونس، النهضة، آفاق تونس، والاتحاد الوطني الحر)، أمس الجمعة، بالصيد وطلبوا منه تقديم استقالته رسمياً. وكان رئيس الكتلة النيابية لـ"نداء تونس"، سفيان طوبال، قد استبق الاجتماع بالقول لـ"العربي الجديد"، إنه سيتم "إعلام الصيد برفع الغطاء السياسي عنه، وأن عليه المغادرة لعدم تأزيم الوضع".

وكان كلام السبسي حول موعد تشكيل الحكومة، قد جاء يوم الأربعاء، خلال لقاء جمعه بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، ورئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، ورئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، وممثّلي أحزاب "نداء تونس"، وحركة "النهضة"، و"الاتحاد الوطني الحرّ"، و"آفاق تونس" (الائتلاف الحاكم)، وحركة "مشروع تونس"، وحزب "المبادرة الوطنية الدستورية"، وحركة "الشعب"، وحركة "المسار الديمقراطي الاجتماعي".

وفي معرض حديثه، غمز السبسي بإشارة سريعة إلى رئيس حكومته الحبيب الصيد، مؤكداً أنه لن يخرق الدستور وأنه مدعو لفرض احترام مضامينه. وفي السياق، نقلت وكالة الأنباء التونسية (وات)، عن مصدر من الائتلاف الحاكم، الذي أجرى اللقاء مع الصيد، أمس، أن الأخير قال إن "رئاسة الحكومة ستنشر بياناً تصحيحياً لتصريحات المتحدث الرسمي باسم الحكومة خالد شوكات، التي أشار فيها إلى أن هذه الحكومة لن تستقيل، وأن سحب الثقة منها يمرّ بالضرورة عبر الآليات الدستورية، أي عبر البرلمان".


وتؤكد قيادات حزبية لـ"العربي الجديد" الموعد المقترح من قبل السبسي لإنهاء الأزمة المصغرة التي أثارتها تصريحات الصيد بعدم الاستقالة، إما بالاتفاق مع الصيد نفسه على إنهاء الخلاف، أو بالاتفاق مع "النهضة" على حسم الموضوع إذا وصل إلى مجلس نواب الشعب.

كما شهد اللقاء ذاته انفراجاً في علاقة السبسي بالمنظمة النقابية التي كانت غاضبة من الجزء الأول للمشاورات بسبب إقصاء بعض الأحزاب. وأكّد الأمين العام لاتحاد الشغل حسين العباسي، أن السبسي تفاعل إيجابياً مع طلبه بضرورة تدوين مبادرة تكوين حكومة وحدة وطنية في ورقة مفصّلة للانطلاق في مناقشتها بداية الأسبوع المقبل بمشاركة كل الأطراف الحزبية. وجدد العباسي، في تصريح إذاعي، تأكيده على أنّ الاتحاد مهتم فقط بمضمون مبادرة حكومة الوحدة الوطنية وبرنامجها الذي سينعكس سلباً أو إيجاباً على المنظمة مستقبلاً، مشدداً على أن الاتحاد ليس معنيّاً بمن سيرأس الحكومة المقبلة أو بالمشاركة فيها.

وبشكل موازٍ للمشاورات السياسية، تستمر لقاءات أحزاب الائتلاف الأربعة، للنظر في هيكلة الحكومة. وتقول أطراف مشاركة في الاجتماعات لـ"العربي الجديد" إن هذه اللقاءات بدأت، نهاية الأسبوع الماضي، وانطلقت بمبادرة من "نداء تونس" حول الهيكلية الجديدة المقترحة، وهي تشبه، إلى حد كبير، تلك الخاصة بالشركات الدولية الكبرى. وتقوم الهيكلية على علاقة مثلّثة بين رئيس الحكومة والوزراء، ووزراء معتمدين لدى رئيس الحكومة يشرفون على مختلف القطاعات. وسيتم تقسيم الحكومة إلى أقطاب اقتصادية، واجتماعية، وثقافية تربوية، على أن يشمل كل قطب مجموعة من الوزارات، تعود بالنظر، تقنياً، إلى وزير خاص، يشرف على القطب، وفقاً للمصادر ذاتها.

وتضيف هذه المصادر المشاركة في الاجتماعات أنّه على الرغم من الاتفاق على فكرة الأقطاب، فإن خلافات عدة لا تزال موجودة بين أحزاب الائتلاف حول إدراج هذه الوزارة أو تلك بالأقطاب، وحول تسمية الوزير الذي سيشرف على كل قطب، والذي سيكون بمثابة وزير دولة، باعتبار أنّ الدستور لا يتضمن هذه التسمية، وربما يتم إقرار تسمية وزير مكلّف لدى رئيس الحكومة.


وتشير المصادر إلى أن الخلافات تدور أيضاً حول الصيغة الفضلى لحسن سير هذه الطريقة الجديدة في إدارة الحكومة، وإن كانت ستُعطل العمل أكثر وتزيد من تعقيده أم لا، وحول تكاليفها، على الرغم من شبه الإجماع عليها. وتؤكد أن الاجتماعات تتواصل ليلاً ونهاراً بين ممثلي الأحزاب للحد من هذه الخلافات، وإقرار الفكرة نهائياً، خصوصاً أن السبسي حدّد نهايتها قبل العيد، أي بعد أقل من ثلاثة أسابيع.

وعلى الرغم من أن المشاورات لم تصل إلى مرحلة الأسماء المقترحة لرئاسة الحكومة، فإن النقاش بدأ يتوضّح في القاعات المغلقة حول السمات الأساسية التي يمكن أن تدير حكومة تقنية بهذا الترتيب، وأن تكون شخصية سياسية وكاريزماتية جامعة بين مختلف الحساسيات، وهي مواصفات ليست متاحة بسهولة، خصوصاً في ظل مناخ عدم الثقة وتعدد طلبات الأحزاب حول حجم وشكل مشاركتها.

وتقول المصادر المشاركة في الاجتماعات إن موقف رئيس مجلس شورى حركة النهضة، عبد الكريم الهاروني، بدا مفاجئاً حين تحدث باسم "النهضة" لأول مرة عن أكثريتها النيابية وضرورة مراعاة ذلك في الحكومة، مؤكدة أن بعض قيادات "النهضة" لا توافق بشكل كامل على هذه التصريحات، التي تعبّر عن تيار داخل الحزب وليس كل الحزب. وتؤكد أنّ موقفاً واضحاً وأكثر ليونة سيخرج عن حركة النهضة في الأيام المقبلة.

على صعيد متصل، يقول مصدر من حزب نداء تونس لـ"العربي الجديد" إنّ بعض قيادات "النداء" منزعجة من مشاركة حافظ قائد السبسي في الاجتماع الذي أشرف عليه والده مع قيادات الأحزاب والمنظمات، معتبرة ذلك تضارباً في المصالح، وأنه كان يُستحسن أن يشارك قيادي آخر في الاجتماع. في المقابل، يرى الشقّ المؤيد لحافظ أنّ هذا الأمر مبالغ فيه، وأن حافظ يشغل حالياً المنصب الأول في "النداء"، ولو مؤقتاً، ويحق له تمثيل الحزب في هذه الاجتماعات.

وعن تمثيل الأحزاب في المشاورات الجارية، برزت مشكلة الحزب الجمهوري المعارض الذي رفض تحديد الرئاسة لممثلي الحزب في لقاء السبسي. وتقول بعض المصادر إنّ الرئاسة رفضت حضور المتحدث الرسمي باسم الحزب عصام الشابي، بسبب مواقفه المعروفة من الرئاسة ومن الحكومة. لكن الشابي رفض المسّ في استقلالية الحزب وأبى حضور الاجتماع.

وبالعودة إلى الأسماء المتداولة لرئاسة الحكومة الجديدة، برز اسم عبد الكريم الزبيدي مرة أخرى، وهو الذي كان يشغل خطة وزير الدفاع قبل أن يستقيل ويرفض ترؤس الحكومة قبل اقتراحها على الصيد. كما يتم تداول اسم حاتم بن سالم الذي شغل منصب وزير التربية وكاتب جولة في الخارجية قبل الثورة، ويشغل حالياً منصب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية. غير أن بعض المشاركين في الاجتماعات التشاورية يؤكدون لـ"العربي الجديد" أنها مجرد تخمينات، وأن السبسي لم يحسم الأمر بعد مع حليفه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، مشيرين إلى أن اسم محافظ البنك المركزي السابق، مصطفى كمال النابلي عاد مجدداً إلى حلبة السباق.